/ صفحه 345/
سعة علمه وإحاطته بالخلافات الفقهية يقول في حقه: وأعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس. كذلك كان رضي الله عنه عظيم التقدير لأستاذه الإمام زيد بن علي بن الحسين ومؤازرته له في دعوته معروفة.
والامام مالك يقول: ما رأت عين ولا سمعت أذن أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلماً وعبادة وورعا. كذلك يقول: اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانا فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن... وكان من العلماء الزهاد الذين يخشون الله. وقوله: " اختلفت إلى جعفر ابن محمد زمانا " يستفاد منه أنه كان يحضر عليه ويتلقي عنه.
وكان الامامان مالك وأبو حنيفة يرويان عن الامامين جعفر الصادق وأبيه (عليهما السلام).
ويقول الشافعي في علي بن الحسين في الرسالة: وجدت علي بن الحسين أفقه أهل المدينة.
ولو أن الائمة استشيروا في حصر المذاهب وإقفال باب الاجتهاد لما وافقوا على الاطلاق.
فالامام مالك أبى أن يقبل ما عرضه عليه صاحب السلطان، وفي هذا يروي: لما حج المنصور قال لمالك: قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي صنفتها فتنسخ، ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره. فقال يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت اليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق اليهم وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم (1).
فالمنصور شهد اختلاف العلماء في عصره، وهو حاكم نظامي يهمه كما يهم سائر الحكام النظاميين أن يتوحد الناس في مملكته تحت قانون واحد يؤخذ به قاصيهم
ــــــــــ
(1) القصة موجودة في كثير من الكتب المطبوعة المتداولة، وقد نقلتها بنصها عن ص 45 ج من كتاب " حجة الله البالغة " للدهلوي.