/ صفحه 344 /
هذا هو الوضع الحكيم الرحيم الذي جاءت عليه الشريعة الإسلامية، ولم يكن من الحكمة ولا من الرحمة أن تجئ على وضع سواه.
وتبعاً لذلك ظهر من بين الصحابة والتابعين وتابعيهم والمتأخرين فقهاء ومجتهدون يشار اليهم. فمن بين الصحابة نفر عرفوا بفقههم وعلمهم بالكتاب والسنة، كان يرجع اليهم ويؤخذ برأيهم. ومن التابعين لمعت أسماء عدد كبير، كان أشهرهم وأعظمهم مكانة الفقهاء السبعة (1)، عاشوا في المدينة في عصر واحد، وكانوا مصادر الفتوى لمن بعدهم. ثم اتسعت الدائرة في منتصف القرن الثاني والثالث، واشتهر أعلام في الفقه منهم أصحاب المذاهب الاربعة، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأوزاعي واسحاق بن راهويه وداود الظاهري والليث بن سعد وسعيد بن جبير. وإلى جانب هؤلاء من الصحابة والتابعين أئمة أهل البيت، وهم علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وزين العابدين علي بن الحسين وأولادهم (عليهم السلام). وهؤلاء وإن كانوا في نظر الشيعة أئمة منصوصين فإنهم عند الجمهور أئمة في العلم والدين، وسادة لهم فضلهم في الامة، ومكانتهم في الإسلام.
ثم جاء عصر التقليد وحصر المذاهب المتبعة في الاربعة، وبالتالي إقفال باب الاجتهاد، وما كان هذا رأي أئمة المذاهب أنفسهم، فقد كانوا يقدرون العلم ولا يحطون من شأن غيرهم، حتى أن الخلاف السياسي بين خلفاء بني العباس وآل علي (عليه السلام)، والذي كان أساسه اتجاه الأنظار في الخلافة إلى هؤلاء مما جعل العباسيين يطاردونهم ويضطهودنهم ويحاربون ما يسند إليهم من فقه، هذا الخلاف لم يترك في الائمة أي أثر.
فأبو حنيفة يقول: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الصادق (2)، وحين يصف

ــــــــــ
(1) هم: خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، سعيد بن المسيب، أبو أيوب سليمان ابن يسار، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث القرشي، القاسم بن محمد بن أبي بكر، عروة ابن الزبير بن العوام، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
(2) وجاء في كتاب عمدة التحقيق والتلفيق ما هذا نصه: " وأما جفعر الصادق فقد ملأ الدنيا علمه وفقهه " ويقال: أن أبا حنيفة وسفيان الثوري من تلامذته، وحسبك بهما ".