/ صفحه 33/
وإنا لنرى ذلك واحضاً في الأمم التي تعامل الشعوب على أساس ألوانها، وليست فكرة الأمم الملونة والأمم البيضاء إلا صورة لتحكم العنصرية، وبقية من بقايا الحيوانية المتناحرة، بل هي أخص ظواهرها.
أما الاجتماع باسم الإسلام فهو اجتماع لا يقوم على المغالبة، بل على الأخوة العامة، والمودة الراحمة التي يحث عليها ذلك الدين القويم، فهذا الاجتماع الاسلامي يكون أمة تتحد فيها المشاعر نحو الفضيلة والمثل العليا التي تنزع بالروح الانساني نحو الملكوت الأعلى، ويخضع فيها الإنسان لخالق الأكوان وحده، وعندئذ يعلو ابن الإنسان عن المغالبة إلا إذا اعتدى عليه، فعندئذ يؤذن له في القتال لدفع الفساد وإقامة مصالح العباد، ولقد قال تعالى: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير... ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز ".
8 ـ وإنه في الوحدة التي يكون أساسها الدين الاسلامي تكون العدالة الحقيقية التي لا تفرق بين جنس وجنس، ولا لون ولون، وإنما التفرقة في توزيع العدالة تكون في العنصرية، وإن في أمريكا لعبرة لأولى الأبصار، فبينا نجد الحريات للبيض مكفولة، والرق قد ألغى ـ نجد ظلماً يقع على السود لا يقل عن ظلم الجاهلية الأولى، وما دون من حقوق لهم إنما هو خطوط مسطورة على قراطيس ليس لها في العمل مظهر يثبت وجودها.
والعلو في المجتمعات التي تقوم على الدين الاسلامي تربط بين آحادها مبادئ فاضلة تقوم على أسس فعل الخير والتقوى لا على أساس نيل الدم، وتقوم على أساس احترام الكرامة الإنسانية التي هي حق مشترك لكل إنسان، لا على أساس كرامة السلالة.
وإن قيام الجماعات على أسس دينية يترتب عليه أن يقل التناحر بين أهل الأرض إذا أخذوا بمبادئ الاديان.
وإذا كان التاريخ يحكى تناحراً بين الناس باسم الاديان، فليس ذلك ناشئاً عن الدين نفسه، إنما هو ضلال الفهم، فقد يتحول الدين في نفوس بعض الذين لا يدركون