/ صفحه 32/
واحدة أن تحكمنا حكومة واحدة، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق، ولكن يمكن أن يتحقق منا تجمع واحد. أو جامعة إسلامية واحدة، على ما سنشير إلى ذلك في موضعه.
وإن الأمة الإسلامية تقوم الروابط فيها على وحدة الدين والعقيدة، ووحدة المبادئ الخلقية، والعبادات، وكل يوم يمر يشعر المؤمن بالوحدة الإسلامية إن أدى العبادات اليومية على وجهها، فتلك الوحدة في قلبه آناء الليل والنهار بالصلوات الخمس إذ يؤديها المسلمون جميعا إلى قبلة واحدة، فإذا تصور المسلم عند أداء الصلاة أنه واحد من ألوف الألوف يتجهون إلى مثل اتجاهه، ويولون وجوههم شطر بيت الله الحرام على أين تكون مثابته، وأين تكون جماعته، إنه عندئذ يدرك أنه لبنة في بناء مجتمع كبير يضم أقطاراً من الشرق والغرب ويقوم على الفضيلة والاتجاه إلى الله تعالى، وإنك لترى ذلك المظهر السامي في الصوم، وتراه في الحج أوضاح إشراقاً وأعظم نوراً، إن أدركت القلوب معنى العبادة.
7 ـ وإن قيام الاجتماع الاسلامي على مبادئ الفضيلة والأخلاق هو أمثل الطرق لتكوين الجماعات الدولية، ولا يعد الاجتماع العنصري أو الاقتصادي أمثل المجتمعات لتكون الأمم، وذلك لأن الجماعة الواحدة لا تتكون منها أمة إلا إذا اتحدت المشاعر والأهواء والمنازع النفسية، ولا تتكون هذه المشاعر تحت سلطان تبادل النافع فقط، وذلك لأن تبادل المنافع يكون عند قيامها، ويزول عند زوالها.
ولا تتحد النفوس في هذا الظل العارض الذي يتغير بتغير الأحوال والأزمان، ولم يعرف أن أمة تكونت من مجرد التبادل الاقتصادي، أو الاشتراك في المنفعة المادية.
وإنه بالموازنة بين تكوين الأمم بالعنصرية وتكوينها بالدين يتبين أن السير بالانسانية في مدارج الرقى، وقيام العلائق البشرية على تسس من المودة والفضيلة إنما يكون تحت ظل الدين لا تحت ظل العنصرية، لأن العنصرية تفرض فصيلة من الفصائل لتقاتل أخرى، وتحتاز مكاناً تقيم فيه لتغالب الآخرين، فليس التجمع الانساني على أساس العنصرية إلا بقية من بقايا الحيوانية المتناحرة في الإنسان،