/ صفحه 325/
إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، وإدناء المتوهم من المشاهد، فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك (1)!....
ونحن ننظر في القرآن الكريم فنجد أن الله تبارك وتعالى قد ضرب الأمثال بالجليل والصغير، والقريب والبعيد، والمحبوب والمكروه، والمرئي والمتخيل، ففي سورة آل عمران مثلا نراه يشبه اتساع الجنة باتساع السموات والارض؛ فيقول: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين " أي عرضها كعرض السموات والارض.
وفي سورة هود يمثل الأمواج بالجبال، فيقول عن سفينة نوح: " وهي تجري بهم في موج كالجبال ". وفي سورة الشعراء يمثل الفرق ـ بكسر الفاء ـ وهي القطعة المنفصلة من ماء البحر بالجبل العظيم، فيقول: " فانفلق ـ يعني البحر ـ فكان كل فرق كالطود العظيم ". وفي سورة الرحمن يمثل لنا السفن بصورة الجبال، فيقول: " وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلام ". وفي سورة الرحمن أيضاً يمثل لنا نساء الجنة بصورة الياقوت والمرجان في الصفاء والبهاء فيقول عنهن: " كأنهن الياقوت والمرجان ". وفي سورة الصافات يمثل لنا طلع شجر الزقوم بصورة مخيفة مفزعة، وإن لم تعهدها الحواس، ولم تشاهدها العيون، فيقول: " طلعها كأنه رءوس الشياطين "، وفي سورة الحج يضرب المثل بالحقير في مقامه المناسب له، فيقول: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ". وكذلك يقول في سورة العنكبوت: " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون "... وهكذا.
فالذين يتعجبون من ضرب الله الأمثال بالمحقرات من الأشياء لا يفقهون ولا يعقلون!...

ــــــــــ
(1) الكشاف، ج 1 ص 54 طبعة سنة 1354 هـ.