/ صفحه 297 /
الدائم لاحتفاظ الإنسان بضميره، واحتفاظ الضمير ببقائه وقوته. ومن هنا كان عمل الخير من صاحب الضمير الديني ومن صاحب الايمان بالله، أدوم وأخلص.
فإذا أضيف إلى " العلم الحديث " إيمان بالله اتجه العلم إلى خير البشرية، وإلى رفع المستوى الصحي والثقافي والأخلاق لدى الأفراد والمجتمعات، وأمن الإنسان من الانزلاق بالعلم إلى إبادة الجنس البشري، أو إثارة القلق والاضطراب النفسي من أجل انخفاض مستوى الحياة الاقتصادية، كما هي الظاهرة الواضحة للحياة الانسانية المعاصرة، بفضل سوء توجيه العلم الحديث وسوء استخدامه، على نحو ما أشرنا قبلا.
الايمان بالله ليس هو الايمان بالخرافة:
والايمان بالله ليس هو الايمان بالخرافة، حتى يقال: إن العلم الحديث ـ وهو نتيجة للرياضة الدقيقة أو التجربة الطبيعية التي خلت تماماً من شوائب الخداع أو الظن ـ يضاد الخرافة، ومن شأنه أن يبصر بالحقائق المجردة، كما تقدمها الطبيعة المكشوفة. وحتى يقال أيضا: إنه نفسه ـ أي الايمان ـ لذلك لا يشجع على كشف الحقيقة المجردة، ولا يعيش إلا في ظل الوهم أو مع القصص المتخيلة.
الايمان بالله هو الايمان بالحقيقة الكبرى، التي ينقشع عندها حجاب الخيال. هو الايمان بحقيقة الكون الكلية. وما في الكون من حقائق ترجع في حقيقتها وجوهرها إلى تلك الحقيقة الكلية. وهوب هذا لا يتفق فحسب مع " العلم الحديث " وهو العلم التجربي. بل إنه يدعو إليه كذلك. لأنه كلما وصل الإنسان إلى درجة في كشف حقائق الكون، كلما اقترب من حقيقته الكلية، وهي حقيقة الألوهية، وكلما ازداد إيماناً بها. فالإيمان يدعو إلى العلم، والعلم بدوره يوصل إلى الايمان. والايمان القوي الواضح هو الذي يدعو إلى العلم الدقيق، والعلم الدقيق هو الذي يوصل إلى الايمان القوي.
يقول الله تعالى: " إن في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر