/ صفحه 296/
تلك نتيجة " العلم الحديث " يدمر ولا يبني، ويجيع ولا يشبع، ويسترق ولا يعتق ويحرر. وكما خلق الإنسان المعاصر الآلة الصماء أخرس الانسام المتكلم، وكما حرك الآلة في غير وعى أصاب الإنسان بفقدان الوعي الذي كان خصيصته كإنسان.
ولم يصب علم الإنسان الحديث الإنسان بسلب خصيصته كإنسان، إلا لأن هذا العلم اتجه على خلق وسائل الشر أكثر من إيجاد وسائل الخير. ولم يكن ذاك، إلا لأن الإنسان المعاصر عبده من دون الله، ووضعه في الارض مكان إله السماء، واستغنى بمخترعاته عن الاستعانة بالله؛ وخدع نفسه بأنه أصبح رب هذه الأرض، لأنه يملك علم ما في الارض، وكذا ما في السماء.
رفع الشر رهن بعودة الايمان:
ولكي يعيد الإنسان المعاصر للإنسان قيمته وخصيصته يجب أن يضم إلى " العلم الحديث " الايمان بالله العلي القدير. فإذا رجع إلى الايمان بالله وملك الايمان عليه قلبه، واتجه بعلمه إلى صالح البشرية، وابتعد في تطبيقه عن المخترعات الفتاكة المبيدة للجنس البشري. إذ الايمان بالهل ينطوي على الرغبة في الخير، والسعي إلى تحقيقه. ولا يكتفي أن يكون عمل الخير من غير إيمان بالله، لأن الايمان بالله هو وحده العاصم للإنسان من أن يحيد عن عمل الخير في فترة من الفترات، لسبب من الأسباب وقد ظن بعض الفلاسفة أنه إذا تكون لدى الإنسان ضمير إنساني فإنه يدنيه إلى الخير وإلى عمله، ولا حاجة له عندئذ إلى الاعتقاد بالله، والايمان برسالته. ولكن فات هذا البعض أن الاعتقاد بالله إذا كان هو طريق تكوين الضمير الباعث على الخير فإن هذا الضمير يكون أبقى وأقوى من أي ضمير آخر، تكوّن عن طريق الفلسفة أو الرأي. لأن خاصّية العقيدة الرسوخ والثبات وعدم الاهتزاز بالأهواء واختلاف الظروف. أما الفلسفة والآراء الانسانية فإنها تخضع للظروف والعوامل المختلفة التي تحيط بالانسان وتؤثر عليه. ونتيجة لذلك: ما يدركه الإنسان اليوم حسنا يدركه في غده غير حسن. وهكذا...
ثم من جانب آخر الاعتقاد بالله ينطوي على خشية منه، وهذه الخشية هي الصمام