/ صفحه 295 /
وليس ما اخترعه وأعده من وسائل الهدم والتدمير أكثر فقط من وسائل البناء والراحة، والصيانة ـ بل ما أنفقه على تلك المخترعات الهادمة يزيد أضعافاً مضاعفة على ما ينفقة في الحياة المدنية ورخائها للأفراد أو المجتمعات. وبسبب هذه النفقات المضاعفة على وسائل الهدم، ثم في مقابل ذلك النقص في نفقات البناء والرخاء في الحياة المدنية ـ انخفض مستوى المعيشة في تلك الحياة للأفراد والشعوب معاً، فأصبحت حاجة الاستهلاك المدني تفوق كثيراً انتاج المواد الضرورية للحياة المدنية. وبذلك ارتفعت أثمان سلع الاستهلاك في الحياة المدنية. وترتب على ارتفاع هذه السلع أن قلت المقدرة الشرائية لدى كثير من الأفراد والطبقات. وهذا الارتفاع أدى بدوره إلى انخفاض مستوى المعيشة لديها.
وظهر عندئذ العامل الاقتصادي في الحياة المدنية الحديثة ذا أثر قوي في توجيه سياسة الشعوب، وذا سلطان واسع على اتجاه الأفراد والتحكم في ميولهم وحرياتهم. وأصبح سعي الإنسان المعاصر يكاد يكون مركزاً في توفير لقمة العيش له ولأسرته، ومن هنا خفت القيم المثالية والأخلاقية في نفسه، لأنه أصبح يتخذ من لقمة العيش ميزاناً تقديرياً للسلوك العملي في الحياة.
ثالوث العلم والآلة والاقتصاد:
وبهذا ارتبط " العلم الحديث " بـ " بالآلة " وبـ " الاتقصاد ". وأصبح ثالوث العلم، والآلة، والاقتصاد، محور الحياة المعاصرة. وأصبح العلم يطلب للآلة، والآلة تنتهي إلى خفض مستوى المعيشة، وبالتالي إلى " الحساسية " بالمشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان والعلم الحديث أصبح سبباً غير مباشر في خلق المشكل الاقتصادي في حياة الانسان. وإذا قلنا إنه سبب غير مبار في انخفاض مستوى المعيشة، فمعنى ذلك أنه سبب غير مباشر أيضاً قلق الإنسان واضطرابه، وفي توجية سعيه في الحياة نحو " ملء معدته " وإلقاء زمام أمره لمن يضع في معدته لقمة من لقم العيش. وأصبح الإنسان، الحر الكريم في أصل تكوينه ونشأته، إنساناً مقوداً لبطنه. كما أنه أصبح مكرها لأن يلقي بحريته وبكرامته، في سبيل الاحتفاظ بعيشته المادية والبدنية.