/ صفحه 29/
ولقد استيقظ النائم من سباته، وتنهب المشاعر، وتحركت النفوس، ولكن في الدوائر الإقليمية والنزعات الوطنية، وإن ذلك محمود في ذاته على أنه خطوة لا غاية، وعلى أنه سير في الابتداء، وليس هو غاية الانتهاء، وأنه كان أمراً لابد منه، لأن أعداء الإسلام ما كانوا يسمحون بأن نجتمع، وهم قابضون على النواصي في كل أمة إسلامية، وما كانوا يسمحون بأن نتلاقي على مائدة الإسلام، وهم يرون فيها انتهاء استغلالهم وذهاب استعمارهم، فكان الطريق للخلاص أن يتحرك كل إقليم في موضعه، حتى يخلع الربقة، فإذا تخلص الجميع أمكن أن يتلاقوا على عزة وحرية وأن يتدبروا شئونهم ودينهم الذي ارتضوا، وأن يسمعوا صوت الحق يناديهم بندائه الخالد إلى يوم القيامة: " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ".
3 ـ ولقد كنا معشر المسلمين في غمرة، حتى صرنا وقود الحروب نؤكل فيها ولا نأكل، وتستغل كل قوانا ولا ننتفع بشئ من أمورنا، وتستنزف كل خيراتنا، ولا ننال منها إلا النزر اليسير الي يجود به علينا المتحكمون فينا، فأرادونا زراعا وهم الحاصدون؛ وأرادونا صناعا وهم المثرون، حملونا على ترك مبادئ ديننا مبدأ مبدأ، نزعوا من قلوبنا حب الجهاد، وألقوا فيها الوهن وحب الدنيا الضئيلة التابعة وذلك بما كانوا يبثونه بيننا، وما يغرون به كبراءنا، حتى صار أمر هذه الأمة سددا بددا، وصارت القيادة فيها إلى الجهلاء بأمر دينهم.
وكانت تلك حالنا في حروبهم التي يشنها بعضهم على بعض، غير أن الله أفاض علينا بنعمة الاعتزاز من بعد، وأذهب عنا الاغترار بهؤلاء الذين كانوا يسوموننا الهوان، ويذيقوننا عذاب الهون بما كسبنا وبما أهملنا. فإنه بعد الحرب العالمية