/ صفحه 283/
وإني ألحظ في هذا الرأي غموضاً وتناقضاً.
أ ـ فأما النصوص فمرده إلى اعتماده في الاطراد، والقياس، على الشيوع والكثرة، من غير أن يبين مداهما، ولا حدودهما؛ فصاد فتنا وجها لوجه تلك المشكلة المعقدة التي أشرنا إليها طويلا فيما سبق. ولقد سرد أمثلة ستة للمطرد في الاستعمال، الشاذ في القياس هي: (أخوص. استصوب، استحوذ، أغيل، استنوق، استتيس) وقطع بعدم القياس عليها ومعنى ذلك: أن ورود ست نظائز لا يكفى للمحاكاة، وأنها قلة لا تبيح القياس. فما الكثرة التي تبيحه إذاً؟ على أنه حين سرد الستة ترك كثيراً غيرها من الألفاظ الخارجة على القياس. فمما تركه: أرْوحَ اللحمُ، وأحْوزَ الإبلُ، وأعْور الفارسُ، وأحْوش عليه الصيدُ، وأعْوَض بالخصم، وأفْوَق بالسهم، وأشْوكَت النخلة، وأحْولَ الغلامُ، وأطْوَلتُ (أطلت) وأعْولَ الرجلُ، وأقْوَلتنْي مالم أقل، وأغيمت السماءُ، وأنْوكتُ الرجلَ، وأعْوَه القوم (اصابت ماشيتهم عاهة)، وأحوجني الأمر... هذا بعض ما تركه. وإذا ضم إلى سابقه بلغ العدد واحداً وعشرين وهو جزء سيق للتمثيل، لا للحصر، وله أشباه كثيرة، متفرقة في بطون المعاجم اللغوية لم أتصد لجمعها، اكتفاءبما سبق في موضوعنا. ترى أمثل ذلك لا يعرفه ابن جنى وهو اللغوي العليم، أم أنه خبير به؟ وإذا كان خبيراً به ايقول بأن هذا القدر لا يكفي لينسج على منواله، ويقاس عليه، أم يكفى؟
وكذلك لم يبين لنا ابن جني رأيه في المطرد قياساً، الشاذ استعمالا (كماضي يذر ويدع، وباقل اسم الفاعل من أبقل) أيجوز لنا أن نستعمله على الأصل الذي يسير عليه أشباهه ونجري فيه القياس العام ولو لم تفعل العرب ذلك فيه أو لا يجوز؟ وإني لا أعرف أن العرب قد نطقت بكل ما الفعلين الماضيين وبكلمة " مبقل " فما الحكم لو لم تنطق؟ وبعبارة أجلي أيجوز لنا أن نصوغ ماضيا لكلمتي يذر ويدع كماضي نظائرهما فنقول وذر، ودع، وأن نجئ باسم الفاعل من أبقل على وزان مبقل، ولو لم نسمع عن العرب الخُلِّص ماضياً للفعلين السالفين،