/ صفحه 280/
وهذا تضييق وأعنات لا سند له ولا رضا عنه من تفكير سديد، ولا من جمهرة الأعلام.
على أنى رأيت ابن جني في خصائصه يعقد فصلا للمطرد والشاذ يزعم فيه أنه حل العقدة، وينقله عنه بعض كبار النحاة (1) في معرض الإقناع والاقتناع، وسأنقل منه ما يتصل بموضوعنا لنرى مبلغ التوفيق في محاولته. قال في باب الكلام على الاطراد والشذوذ (2):
... " إن الكلام على الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب:
مطرد في القياس والاستعمال جميعاً وهذا هو الغاية المطلوبة، والمثابة المثوبة، وذلك نحو قام زيد، وضربت عمرا، ومررت بسعيد.
ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، وذلك نحو الماضي من يذر ويدع. وكذلك قولهم: مكان مُبْقل، هذا هو القياس، والأكثر في السماع باقل، والأول مسموع أيضا. قال أبو داؤد لابنه دؤاد: يا بني ما أعاشك بعدي؟ فقال دؤاد:
أعاشني بعدك وادٍ مُبْقِلٌ آكلُ من حَوْزانه وأنْسل
وقد حكى أبو زيد في كتاب " حيلة ومحالة " مكان مُبْقل: ومما يقوى في القياس ويضعف في الاستعمال وقوع مفعول عسى " أي: خبرها " أسماً صريحاً؛ نحو قولك: عسى زيد قائما، أو قياما. هذا هو القياس غير أن السماع ورد بِحَظْرِه والاقتصار على ترك استعمال الاسم ههنا. وذلك قولهم: عسى أن يقوم، عسى الله أن يأتي بالفتح. وقد جاء عنهم شئ من الأول. أنشدنا أبو علي:
أكثرتَ في العذْل مُلِحٍّا دائما لا تعذلن إني عسيتُ صائماً
ومنه المثل السائر: عسى الغوير أبؤسا.
والثالث: المطرد في الاستعمال، الشاذ في القياس، نحو قولهم: أخوص الرِّمْث (3)،
ــــــــــ
(1) كالسيوطي في مزهره ج 1 ص 136.
(2) الخصائص ج 1 ص 99.
(3) الرمث: نبت حامض تزعاه الإبل. واخوص الرمث: صار كالخوص.