/ صفحه 278/
القبيلة بغيرها، فما عدد الكثير الوارد والقليل المسموع؟ لا جواب عن ذلك؟ ولم أصادف فيما وقع لدى من مراجع بياناً شافياً لهذا عند نحاة البصرة أو غيرهم، سوى الكوفيين. وقد يكون من المفارقات النحوية العجيبة ان نسمع من يقول إن الكثير الوارد لا يصلح للقياس عليه. فهذا صاحب الأشموني يشرح بيت ابن مالك في الحال:
ومصدر منكر حالا يقع بكثرة؛ كبغتة زيد طلع
فيردف الشرح بتنبيه ينص فيه على ما يأتي: " مع كون المصدر المنكر يقع حالا بكثرة، هو عندهم مقصور على السماع " ويختم باب أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بها بقوله: " خاتمة، قال الشارح: مجئ فعيل بمعنى مفعول كثير في لسان العرب، وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع " ويقول مثل ذلك في باب النعت عند الكلام على النعت بالمصدر... وغير هذا كثير في الأشموني، وسواه من المراجع والمطولات، وفي الأبواب المختلفة. فأي اضطراب وتناقض كهذا؟ وما عسى أن تكون الحقيقة في أمر الكثرة والقلة المتحكمتين في اللغة والنحو؟.
أما الكوفيون فقد أجازوا القياس على المثال الواحد المسموع " وهم يعتبرون اللفظ الشاذ فيقفون عليه، ويبنون على الشعر الكلام من غير نظر إلى مقاصد العرب ولا اعتبار بما كثر أو قل " (1). وكذلك الإمام أبو زيد الأنصاري شيخ سيبويه ورائده يجعل الفصيح والشاذ سواء (2).
وفي هذه الآراء ما قد يوضح المراد من الشاذ توضيحاً يتجه به إلى أنه ما صدر من فرد أو أفراد قليلة مخالفاً لما شاع في قبيلتهم ولو كان المخالف مثالا واحداً.
أما جمهور البصريين ومن دار في فلكهم، فقد تركوا الأمر مبهما خلوا من التحديد، وإن كان المستقصى لآرائهم يتبين تشددهم في العدد المسموع الذي يصح القياس

ــــــــــ
(1) المواهب ج 1 ص 43 (رأي أبي إسحاق الشاطبي).
(2) كتاب القياس في اللغة ص 41.