/ صفحه 277/
تتجاوز كلماتها العشرات إلى المئات والآلاف، فمن أين تجئ الزيادة إن لم يخلقها العربي الثبت؟ وهل لها معين غير هذا المعين؟ اللهم إلا إذا قلنا " بالتوقيف " وهو رأي لا يكاد يؤمن به اليوم أحد، ومن يدري فقد تكون الألفاظ المرتجلة في زعمنا ليست في الحق والواقع جديدة، وإنما هي بعض تراث لغوي زال أكثره، وبقي أقله لدى فريق من الناس " فحفظوا قّلَّ ذلك أو غاب عنهم أكثره، كما يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه … وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: " ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير " (1)، ويقول القاضي الجرجاني: " إذا سمعنا عن العربي الفصيح الذي يعتد حجة، كلمة اتبعناه فيها، وإن لم تبلغنا من غيره، ولم نسمع بها إلا في كلامه " (2).
فاذا كان الأمر ما وصفناه ونقلناه عن الأعلام فكيف تتحقق القلة والكثرة، وتتحقق تبعاً لهما إباحة القياس والمحاكاة حينا أو تحريمهما؟ كيف يقع الاطراد والشذوذ؟ لم أجد لشئ من ذلك رداً مقنعاً، ولا جواباً شافياً. ولطالما قرأت في مطولات النحو تعليقاً على شاهد مخالف للقاعدة: " إنه لغة " أو " إنه لغية " أو " إنه شاذ " فلم أفهم الفرق النحوي الدقيق بين هذه الأوصاف، ولا أثر كل منها؛ وكثيراً ما قرأت لسيبويه أمثال قوله: سمعت أعرابياً يقول: " مررت برجل سواء والعدم ". سمعت أعرابياً يقول: " إنك ومحمد ذاهبان ". وأعرابياً يقول: "عليه أربعة بيضاً " وآخر... وآخر... ممن نقل عنهم أمثلة تخالف ما شاع في جمهرة العرب، وعلى ألسنة الكثرة، أفتحرى سيبةيه أمر الأعرابي فعرف شأن لغته هذه؟ أخاصة هي به أم مشتركة بينه وبين قومه أو سواهم؟ فإن انفراد بها العربي فهل نتابعه فيها ولا يتحقق الشاذ؟ وإن لم تصح متابعته فلم سجلها إمام النحاة ونقلها إلينا؟ وهبنا تابعنا من يقول بالقياس على الكثير الوارد دون الليل المسموع، والأخذ بالمطرد دون الشاذ، سواء أكان ذلك بالنسبة لأفراد القبيلة بعضهم إلى بعض أم كان موازنة
ــــــــــ
(1) الخصائص ج 1 ص 391.
(2) كتاب الوساطة ص 345، طبعة صيدا.