/ صفحه 276/
ما يمنعه سواه، كالذي نشهده اليوم في معاهد التعليم المتخصص، وعلى وجه الصحف، وكالذي نشهده في كتب النحو المبسوطة بين علمائه القدامي (1).
فأما مخالفة قبيلة لقبيلة أو أكثر " وهو أمر طبيعي يقتضيه تدرج اللغة وتطورها " فليس فيه ما يعيب، ولا ما يمنع من الأخذ به واتباعه، إذ كيف يقع الخلاف في شأنه مع ما يسجله الأئمة من أن: " كل ما كان لغة قبيلة يقاس عليه " (2) " والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ " (3).
وأما مخالفة فرد عدل أو أفراد قليلة للكثيرة الغالبة في القبيلة فليس فيه أيضاً ما يعيب، وليس لنا أن نحكم عليه بالخطأ؛ ذلك لأن العربي الخالص لا يخطئ ـ كما سبق توضحيه ـ ولكن الذي يقال في مثل هذا: إنه رب اللغة، ومالكها؛ فله أن يخلق من ألفاظها ما يشاء من غير نكير عليه، وأن يتصرف في مفرداتها، وتراكيبها، وضبط حروفها التصرف الذي يجري بالفطرة، وعلى مقتضى طبعه، " ,إذا قويت فصاحته وسَمَت لغته تصرف وارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به. وقد حكى عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظاً لم يسمعاها، ولا سبقا اليها " (4) وبغير هذا الخلق والارتجال لا تنمو اللغة ولا تتطور، وبغيره لا يتصور العقل أن
ــــــــــ
(1) وإليك مثلا من عشرات الأمثلة أسوقه استشهاداً وأكتفي به عن نظائره الكثيرة: قال الأشموني في باب كم وكأي: إنهما يلزمان الصدر فلا يعمل فيهما ما قبلهما... الخ.
ثم قال الصبان تعليقاً على ذلك ما نصه: " قال المرادي: وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على كم الخبرية، فقيل لا يقاس عليه،والصحيح جواز القياس عليه لأنها لغة، ا هـ. وعليها بني الفراء إعرابه " كم " فاعلا في قوله تعالى: " أو لم يهد لهمكم أهلكنا... " والوجه أن الفاعل مصدر... وتخريج الآية على هذه اللغة مع أنها رديئة كما في المغني غير متجه. اهـ " فكيف يكون الصحيح جواز القياس على تلك اللغة مع الحكم عليها بأنها رديئة؟ كيف نوفق بين الأمرين.
(2) المزهر ج 1 ص 153.
(3) الخصائص ج 1 ص 410 وما بعدها.
(4) الخصائص ج 1 ص 424.