/ صفحه 239/
البهائم، أو بحال قلوب البهائم أنفسها، أو بحال قلوب مقدرٍ ختم الله عليها حتى لا تعى شيئا ولا تفقه، وليس له عزوجل فعلٌ في تجافيها عن الحق، ونبوها عن قبوله، وهو متعال عن ذلك، ويجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير الله، فيكون الختم مسنداً إلى اسم الله على سبيل المجاز، وهو لغيره حقيقة، تفسير هذا أن الفعل ملابسات شتى: يلابس الفاعل، والمفعول به، والمصدر، والزمان، والمكان، والمسبب له، فإسناده إلى الفاعل حقيقة، وقد يسند إلى هذه الأشياء عن طريق المجاز المسمى استعارة، وذلك لمضاهاتها للفاعل في ملابسة الفعل، كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته، فيستعار له اسمه، فيقال في المعفول به: عيشة راضية، وماء دافق، وفي عكسه: سيل مفعم، وفي المصدر: شعر شاعر، وذيل ذائل، وفي الزمان: نهاره صائم، وليله قائم، وفي المكان: طريق سائر، ونهر جار؛ وأهل مكة يقولون: (صلى الله عليه وآله وسلم) المقام، وفي المسبب: بني الأمير المدينة، وناقة ضبوث وحلوب (1) " الخ.
هذا هو نص كلام الزمخشري في الكشاف، وبينه وبين كلام الطبرسي فرق بعيد، ومثل هذا هو الذي جعل مؤلف " مجمع البيان " لا يقنع بما وصل إليه، حتى يصله بما جد له من العلم، فيخرج ما أخرج من كتاب جديد، جمع فيه بين الطريف والتليد!.
* * *
إنني أقف هنا موقف الإكبار والإجلال لهذا الخلق العلمي، بل لهذه العظمة في الإخلاص للعلم والمعرفة، فهذا الصنيع يدل على أن الرجل كان قد بلغ به حب الدراسات القرآنية حداً كبيراً، فهو يتابعها في استقصاء، ثم يجهد نفسه في تسجيلها وترتيبها على هذا النحو الفريد الذي ظهر في " مجمع البيان "، ثم لا يكتفي بما بذل في ذلك من جهد كفيل بتخليد ذكره، حتى يضيف إلى آثاره العلمية ما جد له بعد أن انتهى من تأليف كتابه، ولعله حينئذ كان قد بلغ السبعين أو جاوزها!.
ــــــــــ
(1) ضبث بالشيء وعليه: قبض قبضاً شديداً، وهو مثله في الوزن أيضا، فالناقة الضبوت ضد الناقة الحلوب.