/ صفحه 238/
وحجبت، وحيل بينها وبين الإدراك، وأما التمثيل فأن تمثل ـ حيث لم ينتفعوا بها في الاغراض التي كلفوها خلقوا من أجلها ـ بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية، وقد جعل بعض المازنيين الحبسة في اللسان والعي ختما عليه فقال:
ختم الإله على لسان عذافر ختما فليس على الكلام بقادر
وإذا أراد النطق خلت لسانه لحماً يحركه لصقر ناقر!
" فإن قلت " لم أسند الختم إلى الله تعالى، وإسناده إليه يدل على المنع من قبول الحق والتوصل إليه بطرقه، وهو قبيح، والله يتعالي عن فعل القبيح علواً كبيراً، لعلمه بقبحه، وعلمه بغناه عنه، وقد نص على تنزيه ذاته بقوله: " وما أنا بظلام للعبيد "، " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين "، " إن الله لا يأمر بالفحشاء ". نظائر ذلك مما نطق به التنزيل؟ " قلت " القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها، وأما إسناد الختم إلى الله عزوجل؛ فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي، ألا ترى إلى قولهم فلا مجبول على كذا، ومفطور عليه، يريدون أنه بليغ في الثبات عليه، وكيف يتخيل ما يخل إليك وقد وردت الآية ناعية على الكفار شناعة صفتهم، وسماجة حالهم، ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم، ويجوز أن تضرب الجملة كما هي ـ وهي ختم الله على قلوبهم ـ مثلا، كقولهم سال به الوادي إذا هلك، وطارت به العنقاء، إذا أطال الغيبة، وليس للوادي، ولا للعنقاء عمل في هلاكه، ولا في طول غيبته، وإنما هو تمثيل: مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء، فكذلك مثلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق، بحال قلوب ختم الله عليها، نحو قلوب الإغتام (1) التي هي في خلوها من الفطن كقلوب

ــــــــــ
(1) جمع أغتم، وأصل الغتمة اللون المسائل إلى السواد، كأنه وصف به من ليس له قلب صاف، قال المؤلف في كتابه " أساس البلاغة " فلان أغتم، من قوم غتم وأغتام، فيه غتمة وهي المحبة…