/ صفحه 237/
وبالشعر، وبقول أبي على الفارسي، وبما هو مألوف في العربية من مثل هذا التعبير بإسناد الفعل إلى من لم يفعله، ولكن وقع بسبب منه، فالختم أسند إلى الله لأنه بمعناه الذي فسر به كان بسبب عصيانهم لله، كما يقال أهلكته فلانة وهي لم تهلكه وإنما هلك باتباعها.
وأما الإمام الزمخشري في كتابه " الكشاف " فقد عرض لهذا الموضوع في تفصيل أكبر، وضرب له كذلك أمثلة من الشعر والكلام العربي، وأورد فيه بعض الأسئلة ورد عليها، ومع كون الفكرة التي يؤيدها الإمام الزمخشري، هي نفس الفكرة التي رأينا الإمام الطبرسي يؤيدها، فإن عبارة الزمخشري أوسع وأشمل، وأمثلته من الشعر أوضح في بيان المقصود، وتخريجه العربي لهذا التعبير مبنى على دراسة فنية بلاغية مقررة المبادئ بين العلماء، فلو كان الطبرسي قد اطلع على كتابه " الكشاف " لكان قد أيد ما ذهب إليه بما ذكره الزمخشري نقلا عنه أو تلخيصاً له، ولكننا لا تجد بين العبارات في الكتابين تلاقياً إلا على الفكرة، أما الأمثلة والعرض وأسلوب البحث فمختلفة.
والآن نورد نص الإمام الزمخشري، كما أوردنا نص الإمام الطبرسي، وندع للقراء أن يتأملوا النصين، على ضوء ما قلناه، فسيتضح لهم أن الطبرسي قطعاً لم ير " الكشاف " وهو يؤلف " مجمع البيان ".
قال الزمخشري:
" فإن قلت ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت: لا ختم ولا تغشية ثم على الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه، وهما الاستعارة والتمثيل، أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم ـ لأن الحق لا ينفذ فيها، ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه، واستكبارهم عن قبوله واعتقاده ـ وأسماعهم ـ لأنها تمجه، وتنبو عن الإصغاء إليه، وتعاف استماعه ـ كأنها مستوثق منها بالختم، وأبصارهم ـ لأنها لا تجتلي آيات الله المعروضة، ودلائله المنصوبة، كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين ـ كأنما غطى عليها.