/ صفحه 234/
طاعته "! إن الشيعي والسني كليهما لا ينبوان عن هذه العبارة، فكل مؤمن يعتقد أن هناك من أوجب الله طاعته، وفي مقدمتهم الرسول وأولو الأمر، ووجه البراعة في ذلك أنه لم يعرض للفصل في مسألة " الولاية " و" الامامة " هنا، لأن المقام لا يقتضي هذا الأمر، ولكنه مع ذلك أتى بعبارة يرتضيها الجميع، ولا ينبو عنها أي فكر.
على أنه ـ رحمة الله تعالى ـ متأثر مع ذلك إلى حد ما، بما هو ديدن جمهرة المفسرين من إعطاء أسباب النزول أهمية خاصة، ذلك الأمر الذي يتعارض مع مجئ القرآن عاماً خالداً شاملا لجميع الصور التي تدل عليها عباراته المنزلة من لدن حكيم خبير، على ما تقتضيه الدقة والاحكام، ولكن الإمام الطبرسي لا ينفرد بذلك كما ألمعنا، وإنما هو أمر سرى إليه ممن قبله، وشاركه فيه من بعده، ولا شك أنهم لا يقصدون ما قد يفهمه غير الخاصة، من قصر معاني الآيات على موارد نزولها، فإن العبرة ـ كما هي القاعدة المقررة ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
3
ومؤلف هذا الكتاب رجل بحاثة في مختلف العلوم، له تصانيف كثيرة تعد بالعشرات، ومنها ما هو في موضوعات مذهبية شيعية.
ومما يلفت النظر أنه عنى بتفسير القرآن الكريم عناية خاصة، حتى جعلها أكبر همه، وأعظم مجال لهمته، وقد كانت هذه العناية صادرة عن رغبة نفسية ملحة راودته منذ عهد الشباب، وريان العيش، كما يقول في مقدمة كتابه، وكان كثير التشوق، شديد التشوف، إلى جمع كتاب في التفسير على طراز معين وصفه، وجعله هدفه، حتى هيأ الله له ذلك، وأعانه عليه، وقد ذرف على الستين، واشتعل الرأس منه شيبا، وناهيك برغبة تصاحب العمر، فلا تستطيع نوازع الشباب أن تنزعها، ولا مثبطات الكهولة والشيب أن تصرف عنها، ثم ناهيك بمثل هذه الرغبة المتمكنة في نفس رجل علامة كهذا يتدبر وسائل تحقيقها عمرا طويلا، ويتأتى لها ويتمرس بالتجارب العقلية، والوسائل العلمية، حتى ينفذها في عنفوان فتوته