/ صفحه 235/
العلمية، وقد استحصف عقله، واكتهل وعيه، وغزر محصوله، ووقف على الذروة من صرح العلم والفهم والبيان.
ولقد ذكر المؤرخون لسيرته أمراً عجباً، ذلك أنه ألف كتاب هذا المسمى " مجمع البيان " جامعاً فيه فرائد كتاب من قبله اسمه " التبيان " للشيخ محمد بن الحسن ابن علي الطوسي، ولم يكن قد اطلع على تفسير الكشاف للزمخشري، فلما اطلع عليه صنف كتابا آخر في التفسير سماه: " الكافي الشاف من كتاب الكشاف " ويظهر من إسمه أنه أتى فيه بما اطلع عليه من تفسير الزمخشري، ولم يكن قد عرفه حتى يودعه كتابه الأول، ويذكرون إسماً آخر لكتاب ألفه بعد ذلك أيضاً وأسماه " الوسيط " في أربع مجلدات، وكتاباً ثالثاً اسمه " الوجيز " في مجلد أو مجلدين، كل ذلك في تفسير القرآن الكريم، ألفه بعد تفسيره الأكبر " مجمع البيان "، وبعض هذه الكتب يعرف باسم " جامع الجوامع " لجمعه فيه بين فرائد التبيان وزوائد الكشاف.
وقد أردت ـ قبل الكلام إلى القراء عن المعنى الذي يدل عليه هذا الصنيع من الإمام الطبرسي رحمه الله تعالى ـ أن أختبر هذا الخبر لأعلم هل هو صحيح؟ وذلك عن طريق الرجوع إلى بعض المواضع المشتركة في " الكشاف " و " مجمع البيان " كي يتبين الأمر في ضوء الواقع، فرجعت إلى أول موضع يظن أنهما يتلاقيان فيه، وهو تفسير قوله تعالى: " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ".
فأما الإمام الطبرسي في كتابه " مجمع البيان " فقد تحدث من ناحية المعنى في موضعين:
أحدهما: معنى " لا يؤمنون " وما يتصل به من بيان عدم التعارض بين العلم الإلهي والتكليف، لأن العلم يتناول الشيء على ما هو به، ولا يجعله على ما هو به.
الثاني: معنى " ختم الله على قلوبهم " وبيان الآراء المختلفة فيه، وقد ذكر أربعة آراء وأيد الرابع منها وقواه بشواهده، وهذا هو نص كلامه في هذا الوجه الرابع، نورده لنضعه موضع المقارنة مع كلام الزمخشري حتى يتبين الفرق بينهما.