/ صفحه 232/
الثاني: أن يقصد المؤلف بكتابه كل قارئ لا قارئا مذهبياً يتفق وإياه فحسب، وهذا يدعوه إلى أن يعرض العلم عاما لا من وجهة نظر معينة، فيأتي بما في كل موطن علمي من الآراء والأدلة، وله بعد ذلك أن يأخذ بما يترجح لديه، ولكن بعد أن يكون قد أشرك قارئه معه في التجوال بين الآراء، واستعراض مختلف وجهات النظر.
وهذا المنهج أعم فائدة، وأدنى إلى خدمة الحق والاخلاص للعلم، والكتب المؤلفة على أساسه أقرب إلى أن تكون " إسلامية عامة " ليست لها جنسية طائفية أو مذهبية.
بيد أن المؤلفين يتفاوتون في هذا النهج، فمنهم من يخلص له إخلاصاً عميقاً، فتراه يدور مع الحق أينما دار، يأخذ بمذهبه تارة، ويأخذ بغير هذا المذهب تارة أخرى، وإذا عرض المذاهب المختلفة عرضها بأمانة ودقة، كأنه ينطق أصحابها ويسمع قراءه ما يقولون، دون أن يلوي القول، أو يحرف الكلم عن مواضعه، أو يغمز أو يلمز صرفاً عن الرأي وتهويلا عليه، ومنهم من يكون إخلاصه للعلم دون ذلك، على مراتب أسوؤها ما يظهر فيه التعصب على مذهب الخصم، ونبزه بالألقاب، فترى السنى مثلا ربما تحدث عن الشيعة فيقول: قال الروافض، وترى الشيعي كذلك ربما تحدث عن السنة فيقول: قال النواصب، بل ربما تجد الحنفي السني يتحدث عن الشافعية السنيين، فيقول: قال الشويفعية... وهكذا، وما كان هذا النبز ولا ذاك من ضرورات الحجاج، ولا من لوازم الجدال بالتي هي أحسن، الذي هو نصيحة القرآن حتى في شأن المجادلين من أهل الكتاب!.
وأريد أن أقول إن صاحب كتاب " مجمع البيان " قد استطاع إلى حج بعيد أن يغلب إخلاصه للفكرة العلمية على عاطفته المذهبية، فهو وإن كان يهتم ببيان وجهة نظر الشيعة فيما ينفردون به من الأحكام والنظريات الخلافية اهتماما يبدو منه أحيانا أثر العاطفة المذهبية؛ فإننا لا نراه مسرفا في مجاراة هذه العاطفة، ولا حاملا على مخالفيه ومخالفي مذهبه، والواقع أنه ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا المسلك فيما يتصل