/ صفحه 231/
لكن كتابنا هذا كان أول ـ ولم يزل أكمل ـ مؤلف من كتب التفسير الجامعة استطاع أن يجمع إلى غزارة البحث، وعمق الدرس، وطول النفس في الاستقصاء، هذا النظم الفريد، القائم على التقسيم والتنظيم، والمحافظة على خواص تفسير القرآن، وملاحظة أنه فنٌّ يقصد به خدمة القرآن، لا خدمة اللغويين بالقرآن، ولا خدمةُ الفقهاء بالقرآن، ولا تطبيق آيات القرآن على نحو سيبويه، أو بلاغة عبد القاهر، أو فلسفة اليونان أو الرومان، ولا الحكم على القرآن بالمذاهب التي يجب أن تخضع هي لحكم القرآن!.
ومن مزايا هذا التنظيم أنه يتيح لقارئ الكتاب فرصة القصد إلى ما يريده قصداً مباشراً، فمن شاء أن يبحث عن اللغة عمد إلى فصلها المخصص لها، ومن شاء أن يبحث بحثاً نحوياً اتجه إليه، ومن شاء معرفة القراءات روايةً أو تخريجاً وحجة عمد إلى موضع ذلك في كل آية فوجده ميسراً محرراً، وهكذا...
ولا شك أن هذه فيه تقريب أي تقريب على المشتغلين بالدراسات القرآنية، ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي كان من أهم صوارف المثقفين فيه عن دراسة كتب التفسير ما يصادفونه فيها من العنت، وما يشق عليهم من متابعتها في صبر ودأب، وكدّ وتعب.
فتلك مزية نظامية لهذا الكتاب، بجانب مزاياه العلمية الفكرية.
2
وهناك منهجان علميان في التأليف:
أحدهما: أن يستقبل المؤلف قراءه بما يراه هو، وما انتهى إليه بحثه واجتهاده، فيجعله فصاراه وهدفه، ويحطب في سبيله، ويجول في أوديته، دون أن يحيد عنه، أو يجعل لقارئه سبيلا سواه.
وهذا منهج له مواطنه التي يقبل فيها، ومنها أن يكون المؤلف يقصد بكتابه أهل مذهب معين، فله أن يفرض اتفاقه وإياهم على أصول المذهب وقواعده، وأن يخاطبهم على هذا الأساس.