/ صفحه 209/
موقف اشتط فيه، حتى لحقه اللوم والتثريب في القضية المعروفة.
قضية عقر الإبل:
أصاب أهل الكوفة مجاعة أخرجتهم إلى البادية، وفيهم من أشرافهم غالب أبو الفرزدق وسحيم الرياحي، فنحر لهم غالب في أول يوم ناقة أهدى منها إلى سحيم، واستنكف سحيم وعقر ناقة مثلها، ونحر لهم غالب ثاني يوم اثنتين محر مثلهما سحيم، وعقر كل منهما ثالث يوم ثلاثا، فلما كان اليوم الرابع نحر غالب مائة ناقة بينما كانت إبل سحيم غائبة، ثم عاد القوم أدراجهم إلى الكوفة إذا انتهت المجاعة، فعيرت بنو رياح سحيما فهاج وعقر ثلثمائة فبلغ ذلك أمير المؤمنين علياً إذ كان في خلافته فمنع الناس من أكلها وقال: إنها مما أهل لغير الله به، فجمع لحومها على كناسة الكوفة، فأكلها الكلاب والعقبان والرخم.
لقد طال عمره، قال البغدادي: " قال ابن دريد: عاش سحيم في الجاهلية اربعين سنة وفي الإسلام ستين سنة فهو من الشعراء المخضرمين (1).
فكانت وفاته في أواخر خلافة معاوية بن أبي سفيان.
شتان ما بين السحيمين:
وضح مما سطرناه مختصراً عن كل منهما ما لا يدع ثغرة للبس بينهما في المراجع الماضية ـ وهي قل من كثر ـ فإن الفوارق بينهما ظاهرة لأول وهلة يهتدي إليها الشادي الصغير.
فسحيم الحسحاسيين عبد كما لزمه في التعريف عنه كلما ذكر، وحبشي معلطط ـ وسحيم الرياحيين حر ذو جاه ومنزلة في عشيرته، وذاك أغلب شعره في الغزل والنسيب وهذا في الفخر ومواقف البطولة، وذاك قتيل عبثة في خلافة عثمان تخلصا من الشائعات حوله وهذا مات حنف أنفه على فراشه في أخريات خلافة معاوية، وبعد هذا فذاك في الحجاز وهذا في العراق. لقد اختلفا في المكان والزمان والمسلك والمصير.

ــــــــــ
(1) خزانة الأدب الشاهد الثامن والثلاثين.