/ صفحه 210/
هفوات الفوات:
أليس عجيباً بعد هذا كله أن يخلط بين السحيمين الفوات، وأمام عينه المصادر السابقة عليه، ولو تناول واحداً منها لنجا من هذا المزج المشين الذي يترتب عليه عند الاقتداء به الخطأ الذي لا يسامح فيه، وإنني بعد تقري المعاجم التي تعرضت لأحد الشاعرين لأعتقد أن الفوات هو الذي أحدث هذا الخلط، فاقتفاه من بعده من اعتمد عليه وتيقن أنه على صواب كالعيني.
كتب الفوات الترجمة:
" سحيم بن وثيل عبد بني الحسحاس بن هند بن سفيان، يكني أبا عبد الله، وهو زنجي أسود فصيح، توفي في حدود الأربعين من الهجرة، وهو القائل:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... إلى آخر البيتين الماضيين
عن ابن سلام قال: أتى عثمان بن عفان بسحيم فأعجب به، فقيل له: أنه شاعر وأرادوا أن يرغبوه فيه، فقال: لا حاجة لي به الخ " (1).
ترى أول المشخصات للمترجم يخالفه آخرها، ولا يجتمعان على مسمى واحد يلتقي فيه. ابن وثيل وعبد بني الحسحاس، ومن قراءة الترجمة ـ وهي متوسطة ـ يتعين انها خالصة في أخبارها وأشعارها لعبد بني الحسماس. فكان لزاما لذلك أنه إنما قصد الترجمة له في الحقيقة، إلا أن تصديره فيها بسحيم بن وثيل ناشيء من عدم الدقة وفقد الكلفة في تحري المعلومات التي تقتضي شيئاً من العناء والبحث، اعتقادا منه أنه هو بدليل إغفاله الترجمة لسحيم الرياحي، مع أنه اطلع على طبقات ابن سلام الجمحي ونقل عنها حادثة اتهام العبد وقتله، كما تقدم آنفا في ترجمة الفوات ولعله قنع بالسماع عنه دون التفتيش فيه، حتى يأخذ الماء من مجاريه، وفي طبقات الجمحي المنقول عنها ترجمة مستقلة أيضا لسحيم الرياحي في مكان آخر، لأن كلا من السحيمين معدود في طبقة غير طبقة الآخر، ومن ثم تزداد تبعة الفوات على أنه مما يلاحظ عليه بعدئذ جعله وفاته في حدود

ــــــــــ
(1) 1: 338 مطبعة السعادة.