/ صفحه 196/
الهمزتين، أو تحويل إحداهما، أو غير ذلك من الشئون الصناعية التي لا شأن العربي الأصيل بها، بل لا علم له بشيء منها. وإنما يحذقها المتطبعون، وأهل الصنعة؛ من أمثال ابن جنى، وأضرابه، أما العربي فهو المرجع القاطع. والحجة عليها وليست هي الحجة عليه، وله وحده القول الفصل دون غيره ممن ليسوا عربا خلصا.
وإما أن يكون العربي متهما في فصاحته، وأصالته العربية، وسلامة نطقه ـ فشأنه شأن غيره ممن لا يحتج بعربيتهم، ولا يلتفت إليهم من هذه الناحية بادئ الرأي بشرط أني كون للإتهام أصول، وقواعد مرعيه تطبق تطبيقا عاما لا استثناء فيه ولا تخيير، وهذا ما لم يكن حتى اليوم. وإن الأخذ بكلام ابن جنى معناه أن نفحص عن حال كل متكلم (ولو كان في عصر ابن جنى بل بعده) لنتبين منه سلامة القول، أو عدم سلامته، ثم نحكم عليه بمقتضى ما ينكشف عنه القول وهذا يسلمنا إلى المشكلات التي أشرنا إليها قبلا من أمر البحث ابتداء عن أصحاب القول السليم من العرب الأولين؛ أهم أهل الجاهلية وحدهم أم هم مع فريق آخر بعدهم؟ وما نهاية التfحديد ومداه...؟ ثم أيخطئ الجاهليون أم لا يخطئون...؟ أسئلة عسيرة الجواب، اضطرب في شأنها كبار الباحثين كما سبق آنفا.
مما تقدم يتضح بجلاء مبلغ اختلاف الأئمة في أمر التوثيق، وفي زمنه، ورجاله، ومكانه، وأن الخلاف ليس لفظياً مناطه مجرد التعريف، وشهوة الجدل المنطقي، بل له آثاره في مادة اللغة، " ونحوها "، وسائر شئونها؛ إذ يِأتي لغوي فيأخذ مادتها من أ عرابي دون أعرابي؛ فيجئ لغوي آخر فيرضى عن الاثنتين معاً، وقد يخالف زميله فيما رضى عنه أو فيما استنكره من فرد، أو من قبيلة، أو عسر. ثم يجري النحاة في أعقابهم؛ فيستنبط فريق أحكامهم من كلام هذا دون ذلك، ويخالفه فريق آخر من النحاة مخالفة قليلة أو كثير؛ فتصدر الأحكام متناقضة، متضاربة وقد يخطئ بعضهم بعضاً، ويخطئون الكلام العربي الذي يستشهد به لتأييد الأحكام، أو يدعون أن قائله غير فصحيح، أو ليس ممن يحتج بكلامه... أو... ويضطرب الشعراء والكتاب في سائر العصور المتتالية