/ صفحه 195/
إلى الهمز قلبا ساذجا من غير صنعة ما لا حظ له في الهمز، ثم يحقق الهمزتين جميعا؟ هذا ما لا يبيحه قياس، ولا ورد بمثله سماع (1).... "
وظاهر هذا الرأي هو الاتفاق مع كلام ابن قتيبة، أما حقيقته فالخلف الواسع بينها؛ فقد جوز ابن جني أني أن يقع الخطأ، ويشيع في أهل الوبر شيوعه في أهل الحضر. وهذه المشكلة خطيرة؛ تتفرع منها مشكلات جمة، في مقدمتها غموض المقياس الذي نرجع إليه في الحكم على فرد بأنه تصحيح اللغة. وعلى أهل المدينة أنهم أصحاء، الكلام؟ أليس المقياس رد كلامهم إلى كلام سبقوهم من العرب الخلص ومراجعة هذا على ذاك؟ فمن هو السابقون الخلص الذين نرجع إلى كلامهم عند الرد والرجعة؟ أهم الجاهلية وحدهم، أم هم وفريق من الاسلاميين؟ وما حدود هذا الفريق وعصره؟ وإذا كان السابقون (من جاهليين، وغير جاهليين، في حضرهم، ووبرهم، قد يخطئون فإلى من نرجع، وعلى من نعول؟.
لقد عاش ابن جنى خلال القرن الرابع ومات آخره (330 ـ 392 هـ (فهل يرتضى تطبيق حكمه على الجاهلية والاسلام معاً إلى عصره في الحضر والوبر؟
إن ساغر تطبيقه في العصر الاسلامي فكيف يسوغ تطبيقه في الجاهلية، ووبرها؟ اليس معناه أن عرب الجاهلية يخطئون ويعجمون؟ فمن له حق الحكم عليهم بهذا؟ وعلى أي أساس يستند وهم أهل اللغة وأربابها، وهم المرجع الوحيد في أصولها، الصواب ما كان منهم، وما وافقهم، والخطأ ما خالفهم؟ وكيف يعجب ابن جنى يعربي ويصفه بفصاحة اللسان ثم يرتد متهما إياه جارحاً له؟
ومن أجل ذلك أخطأ ابن جنى في كل الذي ذهب إليه من قصة ذلك الأعرابي الذي لا يخلو حالة من أمرين؛ فإما أن يكون له ما لنظرائه العرب؛ من استقامة اللسان، وفصاحة اللغة؛ شأنه في ذلك شأن الوبريين الخلص؛ وإذاً لا يكون لابن جنى ولا غيره أن يحاسبه على القلب، أو عدم القلب، وجمع
ــــــــــ
(1) الخصائص ج 1 ص 406.