/ صفحه 193/
وذهب علمه، وخفيت روايته " (1).
يقول هذا عن عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب الشاعر الكبير والعالم الأكبر في الأخبار (2) (توفي سنة 171 هـ) ويتهمه بما اتهم به الأصمعي من عبد الرحمن ابن أخيه فقد سئل: ما فعل عمك؟ فقال قاعد في الشمس يكذب على الأعراب (3) ".
ويعرض شيخه أبو عمرو بن العلاء عن شعر جرير والفرزدق في الوقت الذي يروي فيه الرواة أن " (الحذاق يقولون: الفحول في الجاهلية ثلاثة متشابهون (4)؛ زهير، والفرزديق ـ والنابغة، والأخطل ـ والأعشى وجرير.) " (5) ولن يصف الحذاق (وهم المختصون بهذا الأمر، الخبراء والأمناء فيه) شاعرا بأنه من الفحصول إلا إذا كان قويم اللغة، صحيح اللسان؛ لأن هذه أول صفات الفحولة، بل أول شرط لوجودها.
ولابن قتيبة رأى يختلف عن هذين؛ فهو يقول. (كل قديم من الشعراء فهو محدث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله … ولم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص قوما دون قوم؛ بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثا في عصره …)(6).
ومعنى هذا أنه لا يرتبط في صحة اللغة وبلاغة الكلام بقوم أو بعصر؛ وإنما مناط
ــــــــــ
(1) المزهر ج 2 ص 259 الطبعة القديمة.
(2) المزهر ج 2 ص 259 الطبعة القديمة.
(3) المزهر ج 2 ص 252 الطبعة القديمة. وبهذه المناسبة. ما يقع في الأحكام والآراء من تضارب عجيب، وتناقض بالغ أذكر أن أبا الطيب بن علي اللغوي، الحلبي، المتوفي سنة 351 هـ سجل في كتاب المسمى " مراتب النحويين " في الصحفة التاسعة والأربعين من طبعتة الحديثة ما نصه ـ بعد أن سرد حكاية الأصمعي مع ابن أخيه الواصف له بالكذب. قال: هذا باطل، ما خلق الله منه شيئا، ونعوذ بالله من معرة جهل قائله وسقوط الخائضين فيه. وكيف يقول ذلك عبد الرحمن؟ ولو لا عمه لم يكن شيئا. وكيف يكذب عمه وهو لا يروي شيئا إلا عنه؟ وأتى يكون الأصمعي كما زعموا؟ وهو لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف عما يتفردون به عنه، ولا يجوز إلا أفصح اللغات، ويلج في دفع ما عداء... اهـ.
(4) أي لكل واحد شبيه.
(5) المزهر ج 2 ص 297.
(6) العمدة ج 1 ص 56، 57.