/ صفحه 180 /
وبالذات بالقضاء على الفتن وبتهدئة الأحوال وتيسير الأرزاق وتأمين الناس على حياتهم وممتلكاتهم في منطقة صعدة مقر الدولة الناشئة. فعمد الهادي أولا إلى الإصلاح بين الزعماء ورؤساء القبائل، والى حسم مادة الفتنة والخفا فيما بين أهل خولان صعدة، ثم جمع زكاة الأموال والأطعمة من أغنيائهم ووزعها على الفقراء والأيتام. وبعد أن رأى أن النفوس قد اطمأنت، وأن الأمور قد استتبت، وأن سكان صعدة وما يحيط بها قد توحدت كلمتهم وأصبحوا صفاً واحداً من خلفه، وصاروا بذلك قوة يعتد بها ويستطيع الاعتماد عليها، شرع يفتح المواطن الشمالية والشرقية من بلاد اليمن ويوحد بين أجزائها المتنافرة المتحاربة.
فلم يمض عامان حتى استطاع الهادي أن يوحد بين منطقة صعدة وكل المناطق المحيطة بها، من منطقة نجران ومنطقة جبال بَرَط ومنطقة بلاد خيْوان والحضَن وأثافِت، فوحد بذلك بين كل المناطق الشمالية والشرقية من اليمن، ثم شرع يتجه إلى الجنوب حتى دخل صنعاء عاصمة اليمن الكبرى في المحرم من سنة 288 هـ وفي يناير من سنة 901 م.
وهو وإن لم تساعده الظروف على البقاء بصنعاء. بل اضطرته إلى العودة إلى صعدة والاستقرار بها حتى وافاه أجله في 20 ذي الحجة من سنة 298 هـ 19 أغسطس من سنة 911 م، فانه قد نجح في تأسيس الدولة الزيدية باليمن، فأرسى قواعدها على أساس متين.
وكان من اهم العوامل التي ساعدته على النجاح حرصه الشديد على توحيد الصفوف وعلى القضاء على أسباب الخلاف بين قبائل الشعب اليمني بكل ما يستطيع من جهد، فسلك بذلك أضمن الطرق وأقربها، فإنا نراه مثلا بعد أن أخضع جهات نجران في السنة الأولى من وصوله إلى اليمن لم يكنف بالتسليم والخضوع من أهلها، بل عمد إلى الإصلاح بين الفريقين المتخاصمين من أهل هذه البلاد، فريق قبيلتي شاكر ويام من همدان، وفريق بني الحارث من أزد عمان، فصمم على أن يزيل ما بين الفريقين من شقاق وأن يقضى على ما في نفوسهم من حزازات