/ صفحه 158/
ثانياً: إن النبي لما جاء إلى المدينة كان يحمل أكبر الآمال في أن يؤمن به اليهود ويظاهروه على أمره. ولما أخلفوه ما أمله أراد أن يتصل بهم عن طريق إبراهيم وعبر عن ذلك (بيهودية إبراهيم). وهم في ذلك كله في ضلال مبين.
أما عن الأول فقد اخطأ خطأ ظاهراً فإني ألاحظ أن المستشرقين فنسنك يقول: لم يذكر في السور المكية أية صلة لإسماعيل بن إبراهيم. وذلك ترويجاً لفكرته التي يريد أن يصل إليها ـ وهي أن محمداً ظل بعيداً عن صلة العرب بإبراهيم وإسماعيل إلى أن هاجر إلى المدينة فبدت له فكرة هي أن يصل حبل العرب الذين هو منهم باليهود عن طريق إسماعيل وإبراهيم مع أنه لا صلة بينهم وبين إبراهيم وإسماعيل. وهذه الفكرة تهدم التوراة قبل أن تهدم القرآن لأنها ذكرت صلة إبراهيم بإسماعيل وأنه جد عدة قبائل في بلاد العرب. وحين عد السور المكية عمد إلى التي يذكر فيها إبراهيم مجردا عن الصلة بإسماعيل والعرب لذلك تخطى سورة إبراهيم وهي مكية وقد شهدت بعكس ما يقول وآياتها شاهدة بأن إبراهيم وإسماعيل بينا البيت وأنهما كانا يدعوان الله تعالى بالهداية وأن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام ـ وإبراهيم يذكر أنه أسكن من ذريته بواد غير ذي زرع عند بيت الله الحرام ويدعو الله أن يرزقهم من الثمرات ويحمد الله أن وهب له إسماعيل وإسحق ـ (اقرأ من سورة إبراهيم آية 35 إلى آية 41) ولا يمكن أن يمر بخاطري أنه لم يعرف هذه الآيات ولم يتنبه إليها بل أكبر اعتقادي أنه تخطاها عمدا حتى يتيسر له تأييد نظريته.
وأما عن الأمر الثاني فإن النبي ما أمل أن يعتز باليهود ولكن لما كانوا أهل توحيد ويجانبون الأصنام ويعادون أهلها. والنبي له ذكر عندهم في كتبهم لم تزل آثاره إلى اليوم ناطقة تنادي عليهم بأنهم يكتمون ما أنزل الله كان يتوقع أن يؤمنوا فلما جحدوا كانوا عنده بمثابة غيرهم فقط.
ومعلوم أن القرآن يرفض أن يكون إبراهيم يهودياً لأن اليهود هم أبناء إسرائيل وإسرائيل إنما هو ولد اسحق بن إبراهيم. وغريب أن يكون المتقدم معزوا وتابعا لولد ولده الذي لم يره ولم يعاصره (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا) سورة آل عمران.