/ صفحه 153/
أنه في يده ولا أشهد أنه له، فلعله لغيره. فقال الإمام: أيحل الشراء منه؟ فقال: نعم. فقال الإمام: لعله لغيره؟! فمن أين جاز لك أن تشتريه وتصيره ملكا لك؟! ثم تقول بعد الملك هو لي، وتحلف عليه! ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك!. ثم قال الإمام: لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق. وفي رواية مسعدة بن صدقة: كل شيء لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك. وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك، وهي أختك أو أرضعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة.
وهذه قاعدة كلية تشمل كل ذي يد مسلماً كان أو غير مسلم، وعليها عمل العقلاء من جميع الأديان في كل عصر قبل الإسلام وبعده، ولو لا اعتبارها لاختل النظام " وما قام للمسلمين سوق ". أما التعبير بلفظ المسلمين في حديث حفص وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب ونظائره فيراد به عموم أفراد الشعب من كل دين للمسلمين وغيرهم، وتخصيص المسلمين بالذكر، لأنهم الأكثرية الغالبة في البلاد التي تلتزم العمل بالكتاب والسنة.
وعلى أية حال فإن تغليب جانب الصحة على الفساد، والإباحة على التحريم، والطهارة على النجاسة، والملكية على الغصب، وما إلى ذلك إنما هو لأجل التسهيل على الناس، وحفظ النظام، وتيسير التعايش والتعاشر في حدود الدين والمصلحة. وقد تقتضي المصلحة والأخذ بالدين الحيطة الحذر، وذلك إذا كان في التساهل مظنة الوقوع في المحرمات والمعاصي، وشبهة التعدي على حق الغير، ولم يرد في الشرع الإذن بالإقدام، والأمان من الوقوع في الحرام، وحينئذ تنعكس الآية، وينقلب الأصل من الاباحة إلى الحظر، وقد ذكر الفقهاء موارد أوجبوا فيها التجنب والعمل بأصالة الحرمة عند الاشتباه، وهي الدماء والفروج والأموال واللحوم والجلود، فإذا اشتبهت بأمر امرأة هل يحل لك منها ما يحرم على غيرك؟ أو بإنسان هل هو معصوم الدم؟ أو في مال هل هو لك أو لغيرك؟ أو في لحم