/ صفحه 144/
وبعد هذه الاستطرادة نعود إلى الكلام في القواعد التي تقوم عليها الوحدة.
9 ـ وإن الوحدة الحقيقية بلا شك هي الوحدة النفسية والفكرية والاحساس بالجامعة العامة التي تجمعنا كما أشرنا، وهذه الوحدة توجب أن يعرف المسلمون بعضهم بعضا، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا كما قال تعالى: " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فإنه أولى بالتعارف أهل القبلة، وهم يدينون بدين الوحدانية ودين الوحدة، ودين الاجتماع، وهم أمة واحدة بحكم القرآن، ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان الفارسي وبعض العرب، وبين بلال الحبشي وعربي، ليبين أن الأخوة الإسلامية فوق الأخوة الجنسية، والاجتماع الإقليمي.
وقد كان المسلمون في الصدر الأول أمة واحدة في الواقع كما كانوا أمة واحدة بحكم الشرع وبحكم القرآن، وهدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " ليس منا من دعا إلى عصبية " وبين أن من دعا إلى عصبية إقليمية أو جنسية أو نسبية فإنما يكب وجهه في النار، وقد تفاخر قوم أمام سلمان الفارسي بأنسابهم وهو صامت لا يتكلم، حتى حركوه بالسؤال، وقالوا له ابن من أنت، فقال أنا ابن الإسلام فجمجموا وما تكلموا، لأنه بين لهم النسب الذي يجب أن يتلاقي عنده أهل الإيمان، فبلغت تلك الكلمة الحكيمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فبكى من فرط تأثره بصدقها، وقال: وأنا ابن الإسلام وكررها ثلاثاً.
10 ـ ولم ينتثر عقد المسلمين إلا من وقت أن تحركت الشعوبية، وأراد كل شعب أن يحيى أرومته، ويعلن قوميته، وكان ذلك في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وأخذت تلك الحركات تنمو وتتسع وتزيد، حتى قامت اللغات القديمة، وتكونت الدول الإسلامية المختلفة، وصار الارتباط بالخلافة الإسلامية الجامعة ذاهبا ضعيفاً، واسمياً، لا حقيقيا، وتفرق أمر المسلمين، وأخذت تلك الدول يحارب بعضها بعضاً، وأصبح الملوك يقودون شعوبهم إلى الحرب، لا في