/ صفحه 143/
وكما قال تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "، وليس في الإسلام توبة إلا الله تعالى الذي يغفر الذنوب وحده، فلا يملك أحد من الناس غفرانها، فهو سبحانه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ولم يكن ذلك لرسول، ولا لغيره ممن دونه الذين لم يصلوا إلى منازل الرسالة أو إلى قريب منها.
هذا كله حق، ولكن الباطل الذي يريده الذين يرددونها أنه ليس في الإسلام علماء قد تخصصوا في فقه الدين بلغوا رتبة الاستنباط فيه، ومعرفة ما يخفى على العامة من أحكام لا تعرف إلا بالعلم بدقائق اللغة، والعلم بالسنة، وفقه الصحابة وأوجه الاستنباط المختلفة، والعلم بالناسخ والمنسوخ، وما أجمع عليه العلماء وما اختلفوا فيه وأوجه الاختلاف، لقد أنكر أولئك الذين يشككون في الحقائق الإسلامية، ويدخلون في الدين ما ليس منه ـ وجود علماء على هذه الشاكلة لكيلا يقف أحد في سبيلهم كما نوهنا، وذلك الإنكار مناف للحقائق التاريخية، والنصوص الدينية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: " فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم " ولقد دعا النبي صلي لابن عباس أن يفقهه في الدين " ولقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " نضر الله عبداً سمع مقالتنا فوعاها، ونقلها كما وعاها فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " فقد فرض عليه الصلاة والسلام أن الناس منهم الفقيه، ومنهم من ليس بفقيه، والفقهاء فيهم مراتب، والناس في عهد الصحابة والتابعين من بعدهم كان منهم المستفتي، ومنهم المفتي، ومنهم الفقيه المستنبط، والعامي المتبع، ولقد قسم الشافعي العلم إلى قسمين علم عامة، وهو أصول الدين وما علم منه بالضرورة، وعلم خاصة وهو علم الاستنباط والاجتهاد وتعرف الأحكام من النصوص والبناء عليها، وليس علم الإسلام بدعا في ذلك فالقوانين الوضعية لا يعلم دقائقها الناس جميعاً، بل فيهم المتخصص المتعمق فيها، وفيهم المدرك لها الفاهم لأصولها، وفيهم من هو دون ذلك.