/ صفحه 127/
مخالف للأدب الإنساني والإرشاد الآلهي. وأرجو أن يكون لهؤلاء وهؤلاء من هذا الايحاء الواضح ما ينبه وعيهم إلى هذا الأدب الذي يضعه الله بأصله ويرشد إليه في هذا النداء الكريم. أرجو أن يكون لهم من هذا الإيحاء ما ينبههم إلى أن الحضارة الحقة ليست في كشف المفاتن، ولا في إظهار العورات المثيرات للغرائز. وإنما الحضارة الحقة في السير على سنة الله، وعلى مقتضى ما أودع في الإنسان من الشعور الفاضل النزيه. أرجو أن يجدوا في هذا ما يحيى وعيهم.
ويرشدهم إلى أن النزوع إلى هذه التقاليد الفاسدة التي سرت إلى جماعة المسلمين من قوم حرموا من النظر في آداب الله وإرشاداته، ليس إلا تلبية لفتنة الشيطان الذي فتن بها والديهم من قبل " وذلك هو ما تضمنه النداء الثاني من النداءات الأربعة " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ".
توسط الإسلام في شأن الزينة:
ثم يجيئ النداء الثالث " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " فيكشف عن المعنى الإنساني في اللباس، وأنه من الزينة التي تحفظ على الإنسان مكانته، وتميزه عن سائر الحيوان، ويأمر باتخاذها في المساجد وما يماثلها من المجتمعات الإنسانية، ثم يضم الأكل والشرب إلى اللباس، ويأمر بهما حفظا للقوة واستدامة للصحة، ويعقب كل ذلك بالنهي عن الإسراف في الملبس والمأكل والمشرب، وفي كل شيء، وليس من ريب في أن ثلاثتها ضرورة بشرية، وعماد قوى لقيام الإنسان بواجبه في هذه الحياة، وهداية الله فيها كهدايته في كل شيء، وسط بين " تفريط "
يقع فيه فريق من الناس يحرمون به أنفسهم من التمتع بنعمة الله، إما شحاً وبخلا، وإما ننطعا وتقشفا، و" إفراط " يقع فيه المترفون، يلبسون ويأكلون ويشربون فوق الحاجة، وفوق الزينة المعقولة، ثم تمتد شهوتهم بعد ذلك إلى ما حرم الله. أما هداية الله في ذلك، فهي الاقتصاد مع مراعاة الأحوال