/ صفحه 126/
أرشدهم في تلك النداءات إلى نعمته عليهم، وحذرهم بها من عدوهم، والى أن هدايته لهم وتمسكهم بها هي وحدها سبيل عصمتهم من الوقوع في كيده، ويذكرهم مع هذا بأن الحرمان من النعيم الذي أصاب والديهم إنما كان بنسيانهما نعمة الله، وباستجابتهما للشيطان وإغفالهما هداية الله الرحيم.
وحي الأمتنان باللباس والزينة:
امتن عليهم في أول هذه النداءات بأن هيأ لهم سبيل الحصول على الملبس الذي به يسترون عورتهم، ويريشون به أنفسهم في مناسبات التجمل، هيأ لهم مادته من القطن والصوف والحرير وما إليها، وألهمهم بما خلق فيهم من غرائز طرق استنباتها وطرق صناعتها بالغزل والنسج والخياطة، ولفت أنظارهم إلى أن تقوى الله في الانتفاع بتلك النعمة والوقوف بها عند الحد الذي رسم، هو أساس الرضا، وأساس الشكر، وهو الذي يحفظ السوءات من أن تظهر أو ترى، وهو الذي يجمّل الحسّي والنفسي " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سواءتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ".
وإذا كان للقرآن دلالاته الصريحة التي تدل عليها كلماته بمقتضى اللغة العربية، فإن له بعد تلك الدلالة إيحاءات جدير بالناظرين فيه، وبالمتعرفين عن نواحيه أن يتنبهوا إليها، وأن يسيروا في طريق معرفتها والانتفاع بها، وهذه آية اللباس وإنزال مادته وتمكين الناس منها تحدث عن اللباس المواري للسوأة، وعن الرياش، وعن لباس التقوى، وهي بعد ذلك توحي لتحقيق ثياب المواراة والرياس بالصناعة وبالجد في تحصيل موادها، وتوحي بأن ستر العورة وزينة التجمل من أهداف الحكمة الآلهية في تمكين الإنسان من مادة اللباس وصناعته.
ومن طلب التقوى ومراعاة حق الله.
العرى والتبرج تلبية للشيطان:
ولعل في هذا الإيحاء تعريضا بأن عادة العرى التي يألفها بعض القبائل المتوحشين وعادة إبداء شيء من مفاتن الجسم كما يراه دعاة الحضارة الفاسدة،