/ صفحه 125/
حتى أغراه بالمخالفة فوقع فيها، ثم لم يلبث أن عاد إليه رشد الإنسانية فتنبه إلى كيد الشيطان والتجأ إلى ربه معترفا بذنبه وخطيئته " ربنا ظلمنا أنفسنا. وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " هكذا قوبل الإنسان لأول عهده بالحياة. وهكذا أشرق نور الهدى في قلبه فأضاء له الطريق واستغفر لذنبه فتاب الله عليه.
وهكذا يجب أن يسير الأبناء في خطة أبيهم، يجب ان يربط الأبناء نسبهم بأبيهم، فيعرفوا كما عرف كيد الشيطان الذين عرفه أبوهم، وأن يطهروا أنفسهم من وسوسته وإغوائه كما طهر نفسه منهما أبوهم، ويجب أن يعرفوا أن الله خلقهم في الأرض وابتلاهم بالشهوات وتعارض الرغبات، وقام الشيطان بينهم، يغري ويضل، ويكيد ويفرق ز ونظم حياته على قوى الافساد، فليحذروه وليتقوا شره، وليعتصموا بدعوة الله الواقية لعلهم يرحمون " اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ".
الخير والشر جانبان في الإنسان:
قس الله علينا نبأ آدم مع ابليسن وكان مغزاه تقرير أن الإنسان له جانب خير يتلقى به أمر ربه وينفذه فيصل إلى سعادته والى رضا مولاه. وله جانب شر به يستجيب لوسوسة الشيطان وإغوائه فيبعد به عن سعادته ويصيبه غضب الله.
وأولاد آدم، من آدم، تكوينهم من تكوينه، واستعدادهم من استعداده، وتأثرهم من تأثره، فلهم كأبيهم جانب خير، يقودهم إلى الوحدة والاعتصام بأوامر الله وهدايته، وجانب شر يغري بينهم العداوة والبغضاء، ويوقعهم في المخالفة والعصيان، وأبليس الذي ابتلى الله به أباهم، فنشأ على عداوته، يغريه ويوسوس له، قد أبتلاهم به أيضا، فاضمر لهم العداوة وأعد نفسه لأن يصنع معهم ما صنع مع أبيهم، يكشف لهم من عورات وسوءات كما كشف لأبيهم من عورات وسوءات.
لهذا كله، وجه الله إليهم أربعة نداءات متتالية بوصف النبوة للأبوة الواحدة التي من شأنها أن نسد عليهم أبواب الشر، وتقيهم أثر وسوسة الشيطان وإغوائه.