/ صفحه 124/
سر النداء بهذا الوصف ودلالاته:
ويهمني لولا لفت الأنظار إلى دلالة هذه النداءات، فهي ترجع بالناس جميعاً إلى رحم واحدة، وأبوة واحده، ومن شأن اتحاد الأصل تقارب الفروع وتعاطفها، فهي تغرس في نفوس الناس أنهم مهما تنوعت أجناسهم واختلفت لغاتهم وتباينت أقاليمهم، أبناء رجل واحد، وركضوا جميعاً في صلبه، ثم تناسلوا منه أبناء وأحفادا وأحفاد أحفاد إلى يوم الدين. وهذه رحم ينبغي أن تعرف فتشكر وتقدر بالتعاطف والتراحم لا بالتخاصم والتحارب. وهذا هو أول ما يضعه القرآن من سبل الوحدة الإنسانية البشرية التي ترجع بالناس جميعاً إلى منبع واحد، وتضعهم جميعاً في مستوى واحد، دون تفاضل بينهم إلا بما قد يكون منهم من تفاوت في الفضل والعمل " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وما انفتح باب الشرور على البشرية وتفاقمت ويلاتها، إلا من يوم أن أغمضت عينيها عن هذه الوحدة البشرية التي تردهم إلى أصل واحد، وتخضعهم لمعبود واحد. تقاطع الناس بالقوة والضعف والغنى والفقر، والعلم والجهل، والبياض والسواد، وما إلى ذلك من العوارض الطارئة التي لاحظ لها في تكوين البشرية العابدة أمام الألوهية المعبودة.
موقف أبليس من أبيهم:
يقتضيهم الحذر منه:
ذكرت السورة موقف إبليس من أبي البشرية آدم، وأنه أبى واستكبر، وقال: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " ومن ذلك الحين، ظهر للإنسان عدوه المبين الذي ابتلاه الله به في هذه الحياة، والذي يجب عليه ليسلم من شره ويسعد، ويحصل على رضا مولاه أن يتخذه هو أيضاً عدواً، يتحسس نواياه، ويتعرف وسوسوته، ويكافحه بكل ما أوتي من قوة، يجب أن يعرف أنه قد نصب له الشباك، وقعد له بالمرصاد، ورسم خطته في اغوائه والكيد له