/ صفحه 122/
لهذا التشريع من جهة تطبيقه على الأحداث والمعاملات، وهو الميزان، وقد ذكر الحديد في آية " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات " وقد يكون من إيحاء ذكره في هذا المقام أن بعض النفوس تأبى تنفيذ هذه الأحكام المطبقة بالميزان على حوادثهم. وهنا يجد القائمون بالأمر تقريراً لمظاهر القسط بين الناس، في " الحديد " قوة يحملون بها الناس على تنفيذ تلك الأحكام.
وإذن، يكون أساس القيام بالقسط، تشريع حكيم، وتطبيق دقيق، وحمل للمعرضين على التنفيذ، وبذلك تتحقق الغاية المرجوة من الكتاب، ومن الميزان.
وأخيراً، جاءت الكلمتان: الوزن والميزان، في القرآن الكريم مقترنتين بالأعمال في يوم الحساب: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً " ومن ذلك قوله تعالى في سورتنا هذه: " والوزن يومئذ الحق " وقوله " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " وقوله " فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية " " ومن خفت موازينه فأمه هاوية " وهذا هو الميزان الذي يبنى عليه الحساب الأخروي ويوقع بناء عليه، إما العذاب، وإما النعيم.
وقد تكلم الناس في هذا الميزان وأكثروا من الخوض فيه من جهة أنه مادي أو معنوي، ومن جهة أن الذي يوزن هو الأعمال بعد تجسيمها، أو أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، ولقد ذهب أناس إلى الخوض في هذا المقام حتى صوروه بلسان وكفتين، ووصفوا مادته الذي اتخذ منها، وعينوا مكانه الذي يوضع فيه إلى أقصى حد يسعف فيه الخيال صاحبه بما يوجه نفسه إليه، والذي أعتقده أن كل ذلك قد تجاوز فيه القوم حدود ما يصح للإنسان الخوض فيه وكشف أستاره التي استأثر الله بها، فهو دون شك مع تفاصيل يومه وأعمال الله فيه، شئون غيبية يجب أن يفوض الأمر فيها لله وحده، وهو بعد مما لا حاجة للناس إليه بعد الإيمان بمعناه العام وبالمقصود منه، وأنه هو الوسيلة في تجلية الحق لمنكريه، وتجلية العدالة في معاملة المصلحين والمسيئين على الوجه