/ صفحه 12/
يعرف أنه عدو قد نصب له الشباك، وقعد له بالمرصاد، ورسم خطته في إغوائه والكيد له: " لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ". بصرنا الله بهذه العداوة، وحذرنا منها: " أخرج منها مذءوماً مدحوراً، لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ". ثم ذكرنا بما كان من أثر عداوته لأبينا آدم، وبما كان من آدم من التنبه لكيده، ورجوعه إلى ربه: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ". وعبرتنا من هذا أنه يجب أن نربط نسبنا بأبينا فنعرف كما عرف كيد الشيطان، وأن نطهر أنفسنا من وسوسته كما طهر أبونا نفسه من وسوسته. وقد خلقنا في الأرض كما خلق الله آدم، وابتلانا بالشهوات وتعارض الرغبات على نحو ما ابتلى آدم، وقام الشيطان بينا يضل ويكيد، ويفرق ويغري، ونظم حياته معنا على قوى الإفساد كما فعل كل ذلك مع آدم. وإذن فلنحذره ولنتق شره، ولنعتصم بدعوة الله الواقية التي دعا بها آدم، وفي ذلك كله يقول الله تعالى: " اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ". وقد رتبت السورة على هذه القصة إرشادات أربع لبني آدم، وهي بمثابة المغزي لقصة أبيهم مع إبليس، ويبدأ هذا السياق من قوله تعالى: " ولقد خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. الآية الحادية عشرة إلى قوله تعالى: " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي، فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون... الآيتان الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون ". وسنعود إن شاء الله إلى شرح هذه النداءات الخاصة ببني آدم التي وردت في هذا المقام وبيان ما تضمنته من حكم وأسرار وإرشاد وهداية.
هذا مجمل ما عرضت له السورة في جانب التذكير بالنعم، أما ما عرضت له في سبيل التخويف فهو إنذارهم نوعين من العذاب، إذا هم ظلوا متمسكين بجانب الاعراض والاستكبار عن قبول الدعوة والسير بأنفسهم في طرق الغي والضلال: