/ صفحه 11/
هذه السورة. أما التذكير بالنعم فقد لفتت فيه الأنظار إلى ما يلمسونه ويحسونه من نعمة تمكينهم في الأرض واتخاذهم إياها وطناً مزوداً بضروب شتى مما يحتاجون إليه في معايشهم وما به قوام حياتهم وكمالها، يستقلون فيه بالحكم والتصرف والانتفاع بموارده الحيوانية والنباتية والمعدنية في ظاهر الأرض وباطنها، لا يشاركهم فيه أحد، ولا يعكر عليهم فيه أحد صفو الحياة، وذلك قوله تعالى: " ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش " وهذه نعمة كبرى يجب أن تقدر، وأن تقابل بالشكر والإيمان، ولكن الناس لنشأتهم فيها وتعودهم عليها، وشدة إلفهم بها، ينعمون فيها غير مقدرين لها، ولا عارفين فضلها، ولا شاكرين لربها " قليلا ما تشكرون ".
ثم لفتت السورة بعد ذلك إلى نعمة خلقهم من أب واحد، يجمعهم به رحم واحدة وبه كانوا خلفاء في الأرض وعمارة الكون، وفضلهم بذلك على كثير من خلقه، وهنا ذكرت السورة خلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له إظهاراً لفضله، وتنويهاً بما يكون له من شأن بعد أن سألوا عن الحكمة في خلقه وقد ركبت فيه الشهوة والغضب وبهما يفسد في الأرض ويسفك الدماء. وذكرت السورة موقف إبليس وإباءه للسجود لأبيهم وامتثال أمر الله فيه، كما ذكرت قصة تأثر آدم بوسوسة الشيطان وإغرائه إياه بالأكل من الشجرة، وكيف كانت عاقبة آدم في الهبوط من الراحة والاطمئنان إلى الكد والتعب، إلى مكاحفة عوامل الشر التي بنيت الحياة عليها وعلى ما يقابلها من عوامل الخير، ومطالبة الإنسان بأن يقف مع جانب العقل والرسالة الإلهية اللذين يشدان أزره في التغلب على عوامل الشر، وهذا شأن يجب أن يفقههه أولاد آدم وأن يتخذوه أساساً لحياتهم، وبه ينجون من المهالك ويفوزون برضا الله ونعيمه.
قص الله علينا هذه القصة أكثر من مرة، ومنها ظهر للإنسان عدوه المبين الذي ابتلاه الله به في هذه الحياة، والذي يجب عليه ليسلم من شره ويسعد أن يتخذه عدواً يتحسس نواياه ويتعرف وسوسته، ويكافحه بكل ما أوتي من قوة. يجب أن