/ صفحه 10/
مطمئن البال على حسن عاقبته، لا يتأثر بالمخالفة، ولا يضيق صدره بالإنكار، كما أنه يجب على أتباعه أن يوفروا له هدوء النفس، وأن يبعدوا به عما يعكر الصفو ويحرج الصدر، كي ينشط في الدعوة، ويسير في طريق القيادة، لا ترده عقبة، ولا تقعد به كلمة.
أساليب السورة في الدعوة:
وقد سلكت السورة بعد تحديد الدعوة على هذا الوجه في تركيزها وحمل الناس عليها، وتنبيههم إليها، سبيل التذكير بالنعم، والتخويف بالعذاب، وهما أسلوبان يكثر استخدام القرآن لهما في الدعوة، وقلما ينفرد فيه أحدهما عن الآخر، وذلك تمشياً مع طبيعة الإنسان التي قضت أن تكتنفه عاطفة الرغبة فيما يحب، وعاطفة الخوف مما يكره، ثم هما بعد ذلك أسلوبان عامان لجميع الطبقات البشرية، سواء منهم من كان من أهل النظر والاستدلال أم لم يكن من هؤلاء، وللقرآن أسلوبان آخران وهما: أسلوب الحجة يقيمها عن طريق الأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض وما أودع الله في الكون من أسرار وسنن، لا يستطيع عاقل بعد معرفتها إلا أن يردها للخالق القادر، المختار، العليم بكل ما في الكون. وأسلوب دفع الشبه التي يثيرها المعاندون المستكبرون بقصد التشكيك في الدعوة أو في جانب من جوانبها، وقد كثر هذان الأسلوبان: أسلوبا الحجة ودفع الشبهة في السور التي نزلت بعد سورة الأعراف، كما كثر أسلوبا الترغيب والتخويف في السور التي نزلت قبلها. والحكمة في ذلك: التدرج في أسلوب الدعوة من العام إلى الخاص، ومما تكفي فيه العاطفة إلى ما يحتاج إلى الفكر والنظر، وهذا شأن درج عليه القرآن حتى في تشريعه، يبدأ بالسهل اليسير، ثم يسير في طريق الترقي بعد أن تستمد النفوس، ويتفتح لها أبواب القبول، وهو شأن لابد من مراعاته في التعليم والتثقيف، وإن البناء على المراحل الطبيعية في الإنسان لمن أقوى العوالم التي تثمر الثمرات المطلوبة وتصل بالمصلحين إلى الأهداف المقصودة.
ولنرجع إلى أسلوب التذكير بالنعم، والتخويف بالعذاب اللذين عرضت لهما