/ صفحه 91/
أو الجيمر كما يسميها أهل هذه الجهات، وتسمع المسافرين ينادونها يا ((أمَّ الجيمر)) يا ((أمَّ الجيمر)) أي يا صاحبة القشدة، وهي بدورها مهلهلة الثياب وعلى حد ما أذكر عارية القدمين، وهي تختلف جد الاختلاف عن غيرها من البائعات اللاتي تصادفهن في المحطات في بلاد أو ربا فهذه الأخيرة تملك أشياء غير البسكوت أو القشدة تملك على الأقل ملابس أخرى يمكن لها أن تغيرها، ولها مسكن نظيف تأوى إليه وقد تناولت طعام الإفطار قبل خروجها من ذلك المسكن الذي يضمها هي وزوجها وأولادها - أما هذه البائعة المتجولة في محطاتنا فهى لا تختلف في مظهرها وأحوالها عن زميلها في القاهرة والاسكندرية وغيرها من المدن العربية، وهي شبح ثالث تعيش بدورها على دراهم معدودة لا تكفي لإحدى الخراف التي ترعى في هذه المساحات الشاسعة، القاحلة للأسف حيث كان يقطن على ضفاف هده الأنهار الغنية أهل بابل في الماضي البعيد، وحيث قامت على ضفافها أيضا عاصمة الرشيد.
ومع ذلك فهؤلاء أعضاء من هذا المجتمع العربي الذي وصفنا في مقالنا السابق عناصر القوة فيه، وهذا المجتمع القوي بموارده وطبيعة أرضه، هذا المجتمع الغني بمعادنه وبتروله ليس وحده المسئول عن هذا النوع من التسول الذي يبدو في شكل تجارة، وهؤلاء وغيرهم كان يجب أن يكونوا أمام منجلة أو مخرطة أو مكبس أو يكونوا في مزرعة ليخرجوا صناعة أو طعاما للناس تغنيهم عن حاجتهم للغرب أو الشرق، وهؤلاء أمثلة لآلاف غيرهم من المواطنين الذين يستدرون العطف - ترى من المسئول عن هؤلاء ومن المسئول عن هذه الحال؟
* * *
تلك صور من مصر والعراق أردت أن يدخل القاريء بها معى في صميم المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي اللذين ذكرنا هما في مقالنا السابق، وهي المجتمعات الغنية بمواردها الطبيعية وثرواتها غير المحدودة، ولنا رجعة لهذه الموارد وتلك الثروات، ولعله من المفيد أن أطلع القاريء على صور واقعية أخرى من المجتمع الغربي - أنجلترا أو فرنسا أو غيرهما وهو المجتمع الذي يحاول في الماضي وفي الحاضر أن يعيش جزئيا على مواردنا ويقاسمنا أرزاقنا.