/ صفحه 90/
أو هو يقضى ليله مع خمسة آخرين - هل له منام وهل يتدثر بغطاء؟ - لا شك أنه ينام تحت سقيفة مع أكثر من خمسة، ولا شك أنه لا يملك سريرا يضع عليه هذا الجسد المحطم ولا غطاء يغطيّ به هذه البقايا من الإنسان، ويتباعد الصوت عنك وتسمعه بعيدا يدوى ((الفجافيج)) - ما زال ينادي، ما زال يسعى للرزق - أين داره؟ - الناس تأكل ما يحمله مع غيره من الطعام، أما هو فلا يأكلها ولا يجد قوت يومه - ماذا أكل اليوم وماذا يأكل غدا؟
* * *
وتسير في شوارع القاهرة حتى الرئيسية منها فيمر بك مواطن آخر ينادي ((الليمون - الليمون)) - أما القوام فهزيل كصاحبه بائع الأسكندرية - وأما الصحة فمنهارة إلى أقصى حدود الانهيار - وأما الجلباب فمهلهل قد خلعت القذارة عليه طبقة سميكة - وأما غطاء الرأس فلبدة لم يغيرها منذ الشباب وقد أصبح في عداد الكهول - وأماالأقدام فعارية سواء في أيام البرد القارص أو أيام الزمهرير- وأما اليدان فتحملان سلة متداعية كصاحبها قد لازمته سنين طويلة، وهي من الحقارة بحيث إنه من المستحيل أن يسلبها منه إنسان، وعلى هذه السلة بضاعة اليوم كله، لا أكثر من ثلاثين ليمونة، والناس يساومونه كأنهم يشترون سيارة، ولو حسبت رأس ماله كله لما تجاوز عشرة قروش، ترى هل سيربح منها في اليوم خمسة، قد يكون هذا في الحسبان ولكنه ليس أحيانا في الإمكان. وما ذا تكفي هذه القروش، وقد تتساءل هل لمثله أولاد، وأين هم وأين ينامون وماذا يأكلون؟
هذا في مصر، وفي شمال أفريقيا وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والمملكة السعودية أمثلة عديدة من هذين المواطنين، فإذا رحلت إلى بغداد والحلة فإن أهل الدجلة والفرات ليسوا أحسن حالا من هؤلاء، فإذا سافرت كما فعلت من بغداد إلى البصرة فإنك تلمح في المحطات التي يقف عليها القطار الفخم المزودة صالوناته بالزجاج الأزرق بائعة القشدة