/ صفحه 88/
ومن الأسباب التي لا حظها النقاد في ضعف الشعر، أن الشعراء قليلو الاطلاع على الآداب الغربية، وقد كانت هذه الملاحظة منذ ثلاثين سنة، وفي هذه الثلاثين زاد اطلاع الشعراء على الآداب الغربية، ومع ذلك بقى الشعر متخلفا.
وكذلك يرى بعض النقاد أن العلة في ضعف الشعر، وسيره إلي الفناء أو إلى ما يشبه الفناء إنما هي ضعف الثقافة في الشعوب، ذلك أنه - كما يقول - لا يبقى حرا طليقا رائجا مزدهرا غير الغذاء الذي تستطيع الملايين إساغته واقتناءه وهوبالطبع لن يكون الشعر الممتاز.(1)
ومع ذلك يرى هذا الناقد أن المستقبل للشعر المتعدد القوا في الطليق من القيود العاتية، ولكن الحقيقة المرة أن هذا الشعر المتعدد القوافي أخفق إخفاقا ذريعا، كما أخفق معه الشعر المتعدد البحور في القصيدة الواحدة، وكما أخفق هذا الشعر الذي يسمونه (الشعر المرسل).
ويدحض شاعر الهند الكبير (رابندرانات طاغور) الزعم القائل بأن تأخر الشعر نتيجة لتقدم العلوم في الثلاثين أو الأربيعن سنة الأخيرة، فإن نَفاق العلم - قال- لا يستلزم حتما كساد الشعر.
وعنده أن السر في تأخر الشعر، والخطر الوحيد هو أن الناس في خلال هذه الرجات الاجتماعية الحديثة يصبحون عاجزين عن ترجمة الخواطر بالشعر قاصرين عن إدراك الجمال في القصيد.
وسواء أكان هذا السبب أو ذاك، أو كل هذه الأسباب مجتمعة فإن الذي أستطيع أن أحكم به وأنا مطمئن، أن قوافل الشعراء التي نشاهدها في كل ميدان وهذه القصائد والمقطوعات التي تطالعنا من صفحات الدواوين ذات الطبع الأنيق والورق الصقيل، أو من صفحات المجلات والصحف محوطة بالتقدير والإعجاب، أفول أن كل هذا لا يبعث في نفوسنا الأمل بمستقبل باهر للشعر، بل هو على العكس من ذلك يدعونا أن نتشاءم أشد التشاؤم، وأن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من أن نصيح يوما: لقد دالت دولة الشعر.
*(هوامش)*
(1) فن الأدب ص 212 لتوفيق الحكيم.