/ صفحه 87/
العقاد يتراجع عن بعض مادعا إليه هو أو غيره من دعاة المدرسة الجديدة من مبادىء.
والنقاد - دائما- هم القوى الدافعة إلى التقدم والكمال، فإذا أحس الشعراء - مثلا - بقوة النقد، وصدقه، دفعهم ذلك إلى التجويد، والصقل، والتهذيب، أما إذا رأوا الهوى متحكما، والمجاملات سائدة، وهذا يتبرع - لعوامل سياسية أو لعوامل أخرى - فيضفي على شاعر لقب أمير الشعراء، وذاك يعلن أن هذا الشاب الذي لا يكاد يبين سيفتح في الأدب العربي فتحا جديدا وهكذا من أحكام تافهة أو مغرضة، إذا رأى الشعراء ذلك تخاذلت هممهم، واستنامت ملكة الشعر الى الكسل واليأس.
ولم يقف النقد عند حد المجاملة والهوى، بل تعدي ذلك إلى أن أصبح شتائم تكال، وسخريات تدّون، ومعارك يسيطر عليها كثير من الإسفاف، كما فعل الرافعي في كتابه (على السّفود) وكما فعل المازني في أحاديثه عن عبدالرحمن شكري تحت عنوان (صنم الألاعيب) إلى مقالات كثيرة في الصحف أقلها مهذب، وأكثرها تنبو عنه الأذواق.
ولم تغننا كثيرا هذه الدواوين التي وضعها النقاد اللبنانيون والسوريون من المقيمين في الوطن أو في المهاجر الأمريكية، فأكثرها دار حول هدفين اثنين: الدعوة إلى التقليل من أهمية الأساليب العالية، والدعوة إلى طرح المعاتي التقليدية، وهي لاتخلو من تحامل وإسراف.
أما الأول فلا يزال الخلاف ممتدا بين النقاد بشأنه، وأما الثاني فقد وضح لكل ذي عينين، ولم يعد من الشعراء ولا من متذوقي الأدب من يقر المعاني التقليدية أو يدعو إليها، والشاعر مرغم بحكم أنه شاعر وصادق الشعور أن يكون شعره ملائما للحياة التي يحياها (يصور حقائقها الواقعة، ويوجهها إلى ما ينبغي أن تتجه إليه، ويبصر الناس بما يضرهم ليجتنبوه، وبما ينفعهم ليسعوا إليه) وهو حين يصدق لا يجد مانعا من أن يصور (حارات القاهرة المظلمة) - كما يطلب كاتب أجنبي - ولكن على شرط واحد، هو أن تنفعل نفسه بهذا الظلام، وبهذه الوحشة التي تسيطر على مشاعره حين يمر بهذه الحارات أو يعيش فيها.