/ صفحه 78/
مشهورة أو إجماعا، ومن ذلك مالو قضي بشاهد ويمين المدعى، لمخالفته للحديث المشهور ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) فإنهم مع قولهم بإنفاذ حكم القاضي المخالف لمذهبهم، يرون في مثل هذا الفرع عدم جواز التنفيذ، ويوجبون على القاضي الحنفي أن يبطله، كأن هذا الفرع ليس من المسائل الاجتهادية.
فلننظر بعد هذا فيما قاله مخالفوهم:
أدلة المذهب الثاني، وهم المجيزون:
هؤلاء يثبتون مذهبهم بالسنة، ويردون على أدلة مخالفيهم.
((ا)) فأما ما استدلوا به من السنة فما روى من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بالشاهد واليمين، وقد ورد هذا من طرق عدة، عن كثير من الصحابة، وذكر ابن الجوزي عددهم فإذاهم أكثر من عشرين صحابيا، وأصح طرقه حديث ابن عباس الذي قال فيه الشافعي ((هذا الحديث ثابت لا يرده أحد من أهل العلم لو لم يكن معه غيره، مع أن معه غيره مما يشده)) وقال ابن عبدالبر: لا مطعن لأحد في إسناده.
((ب)) وأما ردهم على ما يقوله مخالفوهم، فإنه يرجع إلى ما يأتي:
أولا: فيما يتعلق بالاستدلال بالقرآن:
1 ليس في قول الله تعالى ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم …)) الآية، ما يُرَدُ به قضاءُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليمين مع الشاهد، ولا أنه لا يتوصل إلى الحقوق ولا تستحق إلا بما ذكر فيها لا غير، فليست القسمة في الآية حاصرة، ولم تفد العبارة الحصر، ويؤيد ذلك أن العلماء أجمعوا على أنه إذا لم يأت المدعي ببينة، وتوجهت اليمين على المدعي عليه فنكل عنها، أنه يقُضى عليه بنكوله ويمين الطالب، وليس القضاء بالنكول ويمين الطالب مما يتناوله نص الآية، فكيف يقال مع هذا الإجماع أن الآية حاصرة؟
2 وما دامت الآية غير حاصرة، فإذا زادت السنة طريقا فلا تكون معارضة للنص، ومن ثم لا تكون ناسخة، لأن النسخ معناه إزالة الحكم الأصلى