/ صفحه 72/
أخذاً من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعله، وذهب ابن عباس إلى أنه إنما كان لمعنى وقع اتفاقا، وذلك أن المشركين كانوا يقولون حينما رأوا المسلمين: لقد حطمتهم حمى يثرب، فأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه أن يظهروا بمظهر الأقوياء الذين لم يضعفهم مرض، فرملوا، وليس ذلك بسنة. وفي ذلك يقول عمر رضى الله عنه: ما لنا وللرمل كنا نتراءى به قوماً أهلكهم الله؟
ولكنهم ذكروا أن عمر مع هذا لم يمنع الرمل، لأنه خشى أن يكون له سبب آخر، أي أن يكون مقصوداً بالتشريع.(1)
ومن ذلك اختلافهم في أفعال تقترن بعبادات: كاضطجاعه (صلى الله عليه وآله وسلم) على شقه الأيمن بعد صلاة الفجر، وركوبه في الوقوف بعرفة، وجلسة الاستراحة بين السجدة الثانية والقيام لركعة ثانية أو رابعة.
وقد تختلف أنظارهم في فعل من أفعاله لا يتصل بعبادة كإرساله عليه الصلاة والسلام شعر رأسه إلى أذنيه، إذ ذهبت طائفة إلى أن هذا الفعل من السنة، وذهب آخرون إلى أنه من قبيل العادة.
وشبيه بهذا ما يروى من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وكان يحف شاربه، وما يروى عنه من أنه قال: ((قصوا الشارب وأعفوا اللحية)) وذلك أن اتصال الأمر بالفعل يسر لبعض الناس الظن بأنه قربة، وإن كان في جانب الزي والهيئة.
وبهذه المناسبة نقول: إن بعض العلماء يرى أن التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل ما صدر عنه - ولو كان في نواحي العادة والطبيعة - مستحب وهو قول غريب، لم يُعنَ الأصوليون بحكايته، وأغلب الظن: أن ذلك مما أخرجه صاحبه مُخرج ما يروى عن ابن عمر رضى الله عنهما، من أنه كان مولعاً بتتبع أفعال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتحري مواضع صلاته وسجوده وسيره في سفره ونزوله، وما كان يحبه من طعام أو شراب، ونحو ذلك، فكان
*(هوامش)*
(1) حجةالله البالغة ص 129 ج 5.