/ صفحه 59/
الحجاج على يزيد وأله ليقضي على وساوسه التي بلبلت تفكيره.
سجن يزيد:
لما ألقى به الحجاج في غيهب السجن عذبه ونكل به واستاصل ما معه، فتلطف إلى السجان واحتال على الحراس للإفلات من أيديهم، حتى حانت الفرصة وهرب إلى دمشق حيث لجأ إلى سليمان أخى الخليفة، والحجاج المتعقبه غاب عنه أول الأمر هذا المسلك الذي أتجه إليه، إذ كان غالب الظن عنده أن ييمم المشرق، حتى كان الشرطة المنوط بها أكثرهم نحو خراسان وسجستان وكرمان، ولما علم الحجاج أخيراً كتب إلى الخليفة الوليد يعلمه أنه عند أخيه سليمان.
إجارة سليمان بن عبدالملك له:
لما ورد دمشق آوى إلى ركن شديد، فحماه سليمان، ودفع عنه المخافة والشر بالنفس والنفيس، وضرب المثل الأعلى في إغاثة المستجير الملهوف إذ ليس بعد بذله روح أبنه أيوب أولا قبل يزيد، وبذله روحه ثالثا بعده أمر في الدنيا يرتجى به. والعرب مجبولون على رعاية الجار النازل بهم ولهم في ذلك أحاديث مشهورة تغنوا فيها بهذه المكرمة.
قال ابن الحاج: ((فكتب سليمان إلى أخيه يقول: يأمير المؤمنين إني ما أجرت يزيد بن المهلب إلا أنه هو وأبوه وإخوته من صنائعنا قديما وحديثا، ولم أجر عدواً لأميرالمؤمنين، وقد كان الحجاج قصده وعذبه وغرمه أربعة آلاف ألف درهم ظلما ثم طالبه بثلاثة آلاف ألف درهم، وقد صار إلي واستجار بي فأجرته، وأنا أغرم عنه هذه الثلاثة آلاف ألف درهم، فإن رأى أميرالمؤمنين ألا يخزيني في ضيفي فليفعل، فإنه أهل الفضل والكرم فكتب إليه الوليد أنه لا بد أن ترسل إلي يزيد مغلولا مقيدا، فلما ورد ذلك على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده، ودعا يزيد بن المهلب وقيده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة، وغلهما، وأرسلهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه: أما بعد يأميرالمؤمنين فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، ولقد هممت أن أكون