/ صفحه 58/
وما لحقه بعدها من الأحداث الجلى، لتتجلى مخاثلة الدهر، وادراءة الأيام للمخدوع بها.
ولي يزيد خراسان بعد أبيه على وفق عهده، وأقره الحجاج عليها، وصادق عبدالملك على توليته، فلبث فيها مدة جرى فيها على سنن أبيه، وشعب خراسان مغتبط بالحياة الرغيدة، في ظل هذه الرعاية الرشيدة، الساهرة على حقوقه والمناهضة للباغي والناصرة المظلوم، فعظم أمر يزيد وطوف البقاع الإسلامية، فوفد عليه أرباب الحاج، ورطبت ألسنة المادحين بالثناء عليه. ويجمل تأخير ما قيل في مديحه الآن إلى الفترة الآتية التي تقاطر عليه فيها الشعراء لجمع ما قيل في التنوية بمجادته مرة واحدة للإختصار.
كان طبعياً لهذا المظهر الرائع أن حسده الحجاج، ودبت عقارب الحقد تنهش في قلبه، وهاله ما استفاض عنه من الشمائل التي ملأت آذان الخليفة، وبخاصة عند ما سمع من المنجمين أنه سيخلفه في ولاية العراق. قال ابن خلكان: ((وكان الحجاج يكره يزيد لما يرى فيه من النجابة فيخشى منه لئلا يترتب مكانه، فكان يقصده بالمكروه في كل وقت كي لا يثب عليه، وكان الحجاج في كل وقت يسأل المنجمين ومن يعاني هذه الصناعة عمن يكون مكانه، فيقولون: رجل اسمه يزيد، فلا يرى من هو أهل لذلك سوى يزيد المذكور والحجاج يومئذ أمير العراقين)).(1)
لهذا أكثر الحجاج على عبدالملك من الوشايات التي تحمل في طياتها المثالب والنقائص، ونصحه بخسيسة الغدر والنزوع إلى محاولة الانقلاب على الخلافة، وما كان عبدالملك ليصيخ للحجاج لعرفانه بيزيد أول الأمر، لكنه لج في الإيقاع بيزيد حتى أذن للحجاج أن يعزله فاحتال الحجاج في سبيل القبض على يزيد، فأرسل إليه يستشخصه في أمور تتصل بالدولة مع استخلافه أخاه الفضل على خراسان ريثما يعود، ولما قدم عليه زجه في السجن وعزل أخاه وولى قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان والخليفة آنئذ: الوليد بن عبدالملك، وقد عنف
*(هوامش)*
(1) وفيات الأعيان (يزيد) ج 5 ص 322.