/ صفحه 54/
على حرمان الفرد في كثير من الأحيان من أن يتمتع بوجوده الخاص على نحو ما تشتهي طبيعته الحيوانية. لأن نظرة هذا الاتجاه المثالي تقوم على اعتبار حقائق أخرى موجودة بجانب اعتبار وجود الفرد كشخص. ومن بين هذه الحقائق الموجودة: الجماعة الخاصة والعامة وما يعرف بالفضائل والقيم الرفيعة. وإذا اتصلت المثالية بالدين وتأثرت به فإنها تعتبر الله نهاية الموجودات التي فوق الأفراد كذوات وأشخاص. وهي عندئذ مثالية فلسفية دينية.
والدين السماوي مع كونه مشاركاً للمثالية في اعتبار موجودات أخرى وراء الأفراد إلا أنه يتميز عنها في تأكيد وجود الله. وإذا قابلت الوجودية كمدرسة فلسفية الاتجاه المثالي في النظرة والهدف فإنها تقابل في وضوح الدين ورسالته ونظره إلى حياة الإنسان وتحديده مهمته فيها.
* * *
والإسلام كصورة كاملة وواضحة للدين السماوي يخاصم الوجودية المادية خصومة عنيفة إذ ينظر للإنسان على أنه الرشيد وصاحب التأهيل للقيادة في هذه الحياة: ((وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم)). فليس هدفه في الحياة توفير المنافع الخاصة المتصلة بالجانب الحيواني فيه بل هدفه أبعد من ذلك كثيراً: ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له. وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)). هدفه أن يكون مؤمناً بالله وسالكا طريق هدايته الذي خطته الرسالة السماوية.
ولأن الإسلام حدد الإيمان بالله هدفا للإنسان في حياته علم أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف ليس سهل المجاز بل دون ذلك عقبات أشدها ما يتعلق بأنانية الإنسان ووجوده الخاص، وما تتطلبه هذه الأنانية من جانب وما يعرضه الوجود المحسوس المحيط بالإنسان من جانب آخر: ((زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب.