/ صفحه 53/
فالمادية، والوجودية صورة من صور تطورها، لا تعرف حدوداً لحيوانية الإنسان، ولا تطلب منه في التفكير منهجاً خاصا ولا في السلوك طريقاً واحداً. بل تخضع تفكيره وسلوكه إلى حيوانيته أو إلى غريزة حفظ البقاء فيه. فما تمليه عليه الحيوانية مشروع سواء في التفكير والسلوك. والفكرة السليمة هي ما خدمت الجانب الحيواني فيه، والسلوك الخلقي المستقيم هو ما أوصل إلى حفظ الوجود الفردي أو النوعي.
وليس في نظر المادية - وكذا الوجودية - جماعة لها كيان فوق كيان الفرد وحرمة وراء حرمته ومعيار للسلوك وطريق للتفكير يغاير معياره وطريقته.
بل الوجود هو ما كان للفرد ومعيار السلوك في الواقع وطريق التفكير المعتمد هو ما انبثق عن وجود الفرد ولمصلحة فرديته وأنانيته التي تتمثل أوضح تمثيل في حيوانيته. إذ أنها ترى أن تحديد هدف الحياة بما وراء وجود الفرد انتقال بالفرد من واقع أمره إلى وجود خيالي، وانتقال لسعيه وكفاحه في سبيل حياة وهمية تحول بينه وبين تحصيل منافع الوجود الحقة. ولهذا ترفض المدرسة الوجودية - وهي الصورة الحالية للمادية القديمة - أن تساير عرف الجماعة في الحكم على بعض التصرفات الإنسانية بما يجعلها قبيحة أو غير مقبولة كحكمها على بعض هذه التصرفات بالسرقة والغصب والاعتداء والزنا … إذ كل تعرف عندها مقبول طالما لا يبعد الإنسان عن دائرة الواقع الذي هو نطاق وجوده الخاص.
أما ما يسمى بالأخلاق الجماعية أو العرف الأخلاقي فليس إلا مجموعة أخلاق الأفراد وليس قانونا خلقياً عاما فوق نظرات الأفراد الأخلاقية يخضع في وجوده واعتباره إلى المصلحة العامة للجماعة أو إلى التقاليد التي ورثتها وسارت عليها.
والمثالية على النقيض من المادية والوجودية تطلب من الفرد أن يحيا حياة الرشيد الذي يبتعد بها عن تصور الطفولة وتصرفها وعن سلوك البدائي أو الحيوان.
تطلب إليه أن يفكر فيما وراء ذاته ويتصرف لمصلحة من عداه في جماعته - بجانب نفسه طبعاً -. وقانونها الأخلاقي قانون عام وراء وجود الأفراد ويقوم