/ صفحه 46/
أن تؤدي بعد أمد غير طويل إلى جفاف أهم رافد من روافد الرق ونضوب معينه، فينتهي بانتهائه نظام الرق نفسه أو تتقوض بتقوضه دعامة هامة من الدعائم التي كان يعتمد عليها الرق في بقائه.
فالإسلام قد أباح إذن للموالي أن يعاشروا ما ملكت أيمانهم ليكون ذلك وسيلة إلى تحرير العبيد وعتق الرقاب. وقد استغل الإسلام في ذلك ميول الغريرة للقضاء على روافد الرق وإشاعة الحرية بين الناس.
ولكي يتحقق هذا الغرض الإنساين النبيل على أتم صورة وأكمل وجه، أجاز الإسلام أن يتسرى السيد جواريه بدون تقيد بعقد ولا بعدد. فلم يقيده بتعاقد ولا بإيجاب وقبول لأن وسيلة تؤدي إلى حرية الجارية وحرية جميع نسلها إلى يوم القيامة لا يصح أن تتوقف على رأيها ولا على قبولها؛ بل ينبغي أن تُذَّلل سُبُلها وتُنتَهز بمجرد إقدام السيد عليها. ولم يقيده الإسلام بعدد، بل أجاز للسيد أن يتسرى كل من يرغب التسري بهن من الجواري بالغاً ما بلغ عددهن، لأن وسيلة تؤدي إلى حرية الجواري واتصال نسب أولادهن بالسيد وحرية جميع نسلهن إلى يوم القيامة لا يصح أن تقيد بعدد؛ لأن تقييدها بذلك معناه تقييد منافذ الحرية والإبقاء على روافد الرق. بل إنه مما يتسق مع الغرض النبيل الذي يرمي إليه الإسلام ألا تدخر وسيلة لإغراء الأسياد باتخاذ السراري والإكثار من عددهن، لتشمل نعمة الحرية أكبر عدد ممكن وليُقضَى على الرق في أقصر وقت مستطاع.
ومن هذا يتبين فساد ما وجهه الفرنجة إلى نظام التسري في الإسلام من مآخذ، وتظهر لنا الأغراض الإنسانية السامية النبيلة التي قصد إليها الإسلام إذ أباح هذا النظام وإذ توسع في إباحته فلم يقيده بعقد ولا بعدد.